وما أجارته مما أعقبه اللعنة، وما كانت لنا بذلك قوة بل لله القوة، ولا لنا على الخلق منة بل لله المنة.
ولما حطّت لدين الكفر تيجان، وحطمت لذويه صلبان؛ وأخرس الناقوس الآذان؛ ونسخ الإنجيل القرءان؛ وفكّت الصخرة من أسرها، وخفّ ما كان على قلب الحجر الأسود بخفة ما كان على ظهرها؛ وبذلك أن يد الكفر غطتها وغمرتها.
فلله الحمد أن أحرمت الصخرة بذلك البنيان المحيط، وطهرها ماطر من دم الكفر وما كان ليطهرها البحر المحيط، فهنالك غلب الشرك وانقلب صاغرا، واستجاش كافر من أهله كافرا؛ واستغضب أنفاره النافرة، واستصرخ نصرانيته المتناصرة، وتظاهروا علينا وإن الله مولانا، وطاروا إلينا زرافات ووحدانا، فلم يبق طاغية من طواغيهم، ولا أثفية من أثافيهم؛ إلا ألجم وأسرج، وأجلب وأرهج، وخرّج وأخرج، وجاد بنفسه أو بولده، وبعدده وبعدده؛ وبذات صدره وبذات يده، وبكتائبه برا، وبمراكبه بحرا؛ وبالأقوات للخيل والرجال، والأسلحة والجنن لليمين والشمال؛ وبالنقدين على اختلاف صنفيهما في الجمع، وائتلاف وصفيهما في النفع؛ وأنهض أبطال الباطل، من فارس وراجل، ورامح ونابل، وحاف وناعل؛ ومواقف ومقاتل؛ كلّ خرج متطوعا، وأهطع مسرعا، وأتى متبرعا، ودعا نفسه قبل أن يستدعى وسعى إلى حتفها قبل أن يستسعى؛ حتى ظننا [أن] في البحر طريقا يبسا؛ وحتى تيقنا أن ماوراء البحر قد خلا وعسا؛ وقلنا: كيف نترك، وقد علم أنه يدرك؟ وزادت هذه الحشود المتوافية، وتجافت عنها الهمم المتجافية، وكثرت إلى أن خرجت من سجن حصرها، ومستقر كفرها، وبقية ثغرها - وهو صور -، فنازلت ثغر عكا في أسطول ملك بحره، وجمع سلك بره، فنهضنا، إليه ونزلنا عليهم وعليه؛ فضرب معنا مصاف قتلت فيه فرسانه، وجدلت