(٥٩٠ - ٦١٥ = ١١٩٤ - ١٢١٨) وهى حقبة خطرة أو شك فيها البناء الشامخ الذى بناه صلاح الدين أن ينقض، وأوشكت الوحدة القوية التي كدّ في تكوينها أن تنفصم عراها، فقد اقتسم الملك بعده أولاده الثلاثة الكبار:
الملك العزيز عثمان في مصر، والملك الظاهر غازى في حلب، والملك الأفضل على في دمشق؛ ثم لم يلبث أن قام النزاع والتخاصم بين الأخوة الثلاث، ووقف عمهم الملك العادل عن كثب يرقب الأحداث، ويتدخل بذكائه ودهائه ليمهد للأمور حتى تصل إلى نتيجتها المحتومة، فلما نضجت الكمثرى استعان بالأمراء الأسدية حتى اختاروه أتابكا للطفل الصغير الملك المنصور بن الملك العزيز صاحب مصر، ثم لم يلبث أن عزله وولى العرش مكانه وأعاد للدولة وحدتها كما كانت أيام أخيه صلاح الدين، ولم يبق خارجها إلا مملكة حلب التي تتابع على حكمها حتى نهاية الدولة سلالة الملك الظاهر بن صلاح الدين.
وكانت حجة الملك العادل التي حاول بها أن يبرر استئثاره بالملك دون أولاد أخيه تمثل مبدءا جديدا وخطيرا، فإنه قال:«إنه قبيح بى أن أكون أتابكا لصبى مع الشيخوخة والتقدم، مع أن الملك ليس هو بالميراث، وإنما هو لمن غلب، ولقد كان يجب أن أكون بعد أخى السلطان الملك الناصر - رحمه الله - صاحب الأمر، غير أنى تركت ذلك إكراما لأخى ورعاية لحقه. . الخ»(١)
وكان من الممكن أن يقبل هذا القول من الملك العادل لو أنه كان يعنيه حقا، أولو أنه التزمه مع نفسه وأولاده، ولكن الواضح أنه ساق هذا القول لتبرير فعلته وحسب، بدليل أنه تمسك بمبدأ الوراثة بعد قليل، فقسم الملك بين