للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديث وفيه: «وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ -صلى الله عليه وسلم-، وَأَمَّا الوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الفِطْرَةِ» [وفي رواية: «وَالشَّيْخُ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالصِّبْيَانُ، حَوْلَهُ، فَأَوْلَادُ النَّاسِ» فَقَالَ بَعْضُ المُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَوْلَادُ المُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «وَأَوْلَادُ المُشْرِكِينَ» (١).

قالوا: ففي هذا الحديث التصريح بأنهم في الجنة، قال ابن بطال: وهذا الحديث حجة قاطعة ثم قال: وهذا القول أصح ما فى هذا الباب من طريق الآثار وصحيح الاعتبار ا. هـ

قلت: وهذا الحديث يعارضه الأحاديث المتقدمة التي قال فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ»

وفي الجمع بينهما:

اختار بعض العلماء تقديم القول بأنهم في الجنة على غيره لأن الحديث نص في المسألة. (٢).


(١) رواه البخاري (١٣٨٦، ٧٠٤٧)، وقد اختلف العلماء في الجمع بينهما على أقوال: فقيل بتقديم هذا الحديث لأنه نص على غيره مما لم يقع الجزم فيه بحالهم. قال النووي في شرح صحيح مسلم (١٦/ ٢٠٨): وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُمْ فِي النَّارِ وَحَقِيقَةُ لَفْظِهِ: "اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لَوْ بَلَغُوا وَلَمْ يَبْلُغُوا إِذِ التَّكْلِيفُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالْبُلُوغِ ا. هـ وقال غير واحد من أهل العلم: إنهم يمتحنون يوم القيامة، فَمَنْ عَلِمَ اللَّهُ -عز وجل- مِنْهُ أَنَّهُ يُطِيعُ جَعَلَ رُوحَهُ فِي الْبَرْزَخِ مَعَ إِبْرَاهِيمَ وَأَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ مَاتُوا عَلَى الْفِطْرَةِ، وَمَنْ عَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُجِيبُ، فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ فِي النَّارِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ الِامْتِحَانِ. وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، قال ابن كثير: وَهَذَا الْقَوْلُ يَجْمَعُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ كُلِّهَا، وَقَدْ صَرَّحَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الْمُتَقَدِّمَةُ الْمُتَعَاضِدَةُ الشَّاهِدُ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَشْعَرِيُّ،: عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَهُوَ الَّذِي نَصَرَهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي "كِتَابِ الِاعْتِقَادِ" وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ مُحَقِّقِي الْعُلَمَاءِ وَالْحُفَّاظِ النُّقَّادِ ا. هـ قلت: قوله: وقد صرحت به الأحاديث … إلخ. الأحاديث التي ورد فيها عَدُّ المولود من أهل الفترة الذين يمتحنون لا تصح، (وهي ثلاثة: حديث أنس، رواه الْبَزَّارُ وأبُو يعلَى. وحديث أبي سعيد: رواه البزار؛ وحديث معاذ بن جبل: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ) قال ابن عبد البر في التمهيد (١٨/ ١٣٠): روي هذا المعنى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث الأسود بن سريع وأبي هريرة وثوبان بأسانيد صحيحة … وليس في شيء منها ذكر المولود ا. هـ.
(٢) انظر: شرح النووي على مسلم (١٦/ ٢٠٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>