للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ (٨٣)} [النحل] قال ابن كثير -رحمه الله-: أَيْ: يَعْرِفُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْمُسْدِي إِلَيْهِمْ ذَلِكَ، وَهُوَ الْمُتَفَضِّلُ بِهِ عَلَيْهِمْ، وَمَعَ هَذَا يُنْكِرُونَ ذَلِكَ، وَيَعْبُدُونَ مَعَهُ غَيْرَهُ، وَيُسْنِدُونَ النَّصْرَ وَالرِّزْقَ إِلَى غَيْرِهِ ا. هـ (١)

وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: أي: ينكرون إضافتها إلى الله لكونهم يضيفونها إلى السبب متناسين المسبِّب الذي هو الله - سبحانه -، … ، ينكرونها بإضافتها إلى غير الله، متناسين الذي خلق السبب فوُجِد به المسبَّب ا. هـ (٢)

ولا مانع أن يشكر المتسبب في ذلك؛ ما دام أن المرء يؤمن أن الأمر بيد الله فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لَا يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ» (٣).

قال " وَلَا تَلُمْ أَحَدًا عَلَى مَا لَمْ يُؤْتِكَ اللهُ " فإذا لم يكتب الله -عز وجل- لك شيئًا فلا تنسب ذلك إلى غير الله -سبحانه- فإن الله هو الذي كتب عليك القدر خيره وشره. فالمؤمن إذا وَطَّن نفسه على الرضا بما قدر الله عليه وكتب، مع عمله بالمأذون به من الأسباب ارتاح وسعد.

وفي هذا الباب عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أيضا أنه قال: «لَا يُؤْمِنُ الْعَبْدُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ، يَعْلَمُ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ، وَلَأَنْ أَعَضُّ عَلَى جَمْرَةٍ حَتَّى تُطْفَأَ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُولَ لِأَمْرٍ قضاه اللهُ لَيْتَهُ لَمْ يَكُنْ» (٤) وهذا هو تمام الرضا المطلوب من المسلم ومن المؤمن، وهو الصبر عند البلاء وعند المصيبة، فهذا هو الصبر. والصبر: هو أن تحجز جوارحك عن الوقوع فيما نهى الله -عز وجل- عنه؛ فإن ارتقى الإنسان فوق ذلك إلى أن يرضى عما كتب الله -عز وجل- له فإن هذه منزلة عظيمة لا ينالها إلا القليل من الناس. قال ابن القيم -رحمه الله-: إِذَا لَمْ يَرْضَ بِالْقَدَرِ وَقَعَ فِي لَوْمِ الْمَقَادِيرِ. إِمَّا بِقَالَبِهِ، وَإِمَّا بِقَلْبِهِ وَحَالِهِ. وَلَوْمُ الْمَقَادِيرِ لَوْمٌ لِمُقَدِّرِهَا، وَكَذَلِكَ يَقَعُ فِي لَوْمِ الْخَلْقِ. وَاللَّهُ وَالنَّاسُ


(١) تفسير ابن كثير ت سلامة (٤/ ٥٩٢).
(٢) القول المفيد على كتاب التوحيد (٢/ ٢٠١)
(٣) صحيح، رواه أحمد (٧٩٣٩)، وأبو داود (٤٨١١)، والترمذي (١٩٥٤) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
(٤) صحيح، رواه مطولا أو ومختصرا، ابن أبي شيبة في المصنف (٧/ ١٠٨) رقم (٣٤٥٦٧) وأبو داود في الزهد (١٢٨) وأبو نعيم في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (١/ ١٣٧) والبيهقي في شعب الإيمان (٢١٠)، وفي القضاء والقدر (٢٠٤) وغيرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>