(قال: حدثنا إبراهيم بن يوسف)؛ أي: السبيعي، المتوفى سنة ثمان وتسعين ومئة، (عن أبيه) : يوسف بن إسحاق، (عن أبي إسحاق) : عمرو بن عبد الله الكوفي السبيعي، الذي سبق ذكره قريبًا، قال في «عمدة القاري» : وهنا إسنادان، ومن لطائف إسناد هذا الحديث: أنه قرن رواية عبدان برواية أحمد بن عثمان مع أن اللفظ لرواية أحمد؛ تقويةً لرواية عبدان؛ لأنَّ في إبراهيم بن يوسف مقالًا، فقال: عباس عن ابن معين ليس بشيء، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال الزوجاني: ضعيف، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه.
ومن لطائفه: أن رواية أحمد خرجت بالتحديث لأبي إسحاق من عمرو بن ميمون، ولعمرو بن عبد الله بن مسعود.
ومنها: أن روايته عيَّنت أن عبد الله المذكور في رواية عبدان هو عبد الله بن مسعود.
ومنها: أن المذكور في رواية عبدان: (رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم)، وفي رواية أحمد: (نبي الله صلَّى الله عليه وسلَّم) انتهى.
(قال: حدثني) بالإفراد (عَمرو) بفتح العين (بن مَيمُون)؛ بفتح الميم الأولى، وضم الثانية: أبو عبد الله السابق قريبًا: (أن عبد الله بن مسعود) وللكشميهني: (عن عبد الله)، ولا فرق بين الروايتين؛ لأنَّه قد صرَّح بالتحديث في قوله: (أي: ابن مسعود) (حدَّثه)؛ أي: حدَّث عمرو بن ميمون: (أن النبيَّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم كان يصلي عند البيت) العتيق؛ وهو الكعبة، وإفادة (كان) الدوام والاستمرار (وأبو جَهل)؛ بفتح الجيم: عمرو بن هشام المخزومي، وكان يكنَّى في الجاهلية بأبي الحكم، فكنَّاه النبيُّ عليه السَّلام بأبي جهل، ولهذا قال الشاعر:
الناس كنَّوه أبا حكم... والله كنَّاه أبا جهل
وقيل: كان يكنَّى أبا الوليد، وكان يعرف بابن الحنظلة، وكان أحول، وفي «المحبر» : (كان مأبونًا)، وفي «الوشاح» لابن دريد: (هو أول من حُزَّ رأسه)، ولما رآه رسول الله عليه السَّلام؛ قال: «هذا فرعون هذه الأمة»، وتمامه في «عمدة القاري» (وأصحاب له)؛ أي: لأبي جهل، قال في «عمدة القاري» : وهم السبعة المدعوُّ عليهم بعدُ، كما بيَّنه البزار من طريق الأجلح عن أبي إسحاق، (جلوس) : جمع: جالس؛ أي: عند البيت أيضًا، قال في «عمدة القاري» : (أبو جهل) : مبتدأ، و (أصحاب له) : عطف عليه، و (جلوس) : خبره، والجملة: نصب على الحال، ومتعلق (له) : محذوف؛ أي: أصحاب كائنون له؛ أي: لأبي جهل، ويجوز أن يكون (جلوس) : خبر (أصحاب)، وخبر (أبي جهل) : محذوف؛ كقول الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت... بما عندك والرأي مختلف
والتقدير: نحن راضون بما عندنا، انتهى.
واعترض البرماوي: بأنَّ الإخبار في البيت عن الجميع متعذر، بخلاف ما هنا، انتهى.
قلت: وهذا الاعتراض سهل، فإنه اعتراض في المثال لا في الحكم، وغاية الأمر: أنه يقال: إن الإخبار في البيت عن المجموع، وهو كافٍ وغير متعذر؛ فافهم.
(إذ قال) وسقط (إذ) لابن عساكر (بعضهم) : هو أبو جهل، كما سماه مسلم من رواية زكريا (لبعض)؛ أي: لأصحابه، وزاد مسلم فيه: (وقد نحرت جزور بالأمس)، وجاء في رواية أخرى: (بينا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قائم يصلي في ظل الكعبة وجمع من قريش في مجالسهم؛ إذ قال قائل منهم: ألا تنظروا إلى هذا المرائي؟!) (أيُّكم)؛ بتشديد التحتية، استفهامية (يجيء بسَلَى)؛ بفتح السين المهملة واللام، وبالقصر: هي الجلدة التي تكون فيها الولد، والجمع: أسلاء، وخصَّ الأصمعي: السلى بالماشية، وفي الناس: بالمشيمة، وفي «المحكم» : (السلى: يكون للناس والخيل)، وقال الجوهري: هي جلدة رقيقة إن نزعت عن وجه الفصيل بساعة يولد، وإلا؛ قتلته، وكذلك إذا انقطع السلى في البطن، وألف (سلى) منقلبة عن ياء مثناة، ويقوِّيه ما حكاه أبو عبيد من أنَّ بعضهم قال: سليت الشاة: إذا نزعت سلاها، انتهى «عمدة القاري»، وقوله: (جَزُور) مضاف إليه؛ بفتح الجيم، وضم الزاي، من الإبل يقع على الذكر والأنثى، وهي تؤنَّث، والجمع: الجزر، يقال: جزرت الجزور أجزُرها؛ بالضم، واجتزرتها؛ إذا نحرتها، كذا في «عمدة القاري».
وزعم ابن حجر أن الجزور: ما يُجْزَرُ؛ أي: يُقْطَع.
وردَّه في «عمدة القاري» فقال: (قلت: لا يدرى من أي موضع نقله؟).
وزعم العجلوني أنه نقله من كتب اللغة؛ كـ «الصحاح»، و «القاموس»، و «المحكم»، قال في «الصحاح» : (جزرت الجزور أجزُرها؛ بالضم، وأجزرتها؛ إذا نحرتها)، وقال في «المحكم» : (الجزور: الناقة المجزورة، والجمع: جزائر)، وقال في «القاموس» : (الجزور: البعير أو خاصٌّ بالناقة المجزورة) انتهى.
قلت: ولا يخفى أن هذه النقول دليل واضح لما قاله صاحب «عمدة القاري» من أن الجزور بمعنى: المجزور؛ أي: المنحور، فهي دليل له لا عليه، ولم يصرِّح أحد من هذه النقول أن معناه: المقطوع، كما زعمه ابن حجر، فالردُّ ظاهر؛ لأنَّه لم يجئ بمعنى القطع في اللغة أصلًا، والعجلوني نقل ولم يعلم ما نقل، وما نقل إلا الحق، فإن الشخص إذا أعرض عن الحق لا بدَّ أن الله تعالى يجعل له أسبابًا، ثم يعيده إلى الحق، وهو لا يدري، ويكون مراده غيره، فالحق مع صاحب «عمدة القاري»، والذي زعمه ابن حجر تفسير من عنده لا مستند له فيه، كما لا يخفى على من له أدنى ذوق في العلم، وتمامه في «إيضاح المرام»؛ فيراجع.
(بني فلانٍ)؛ بالتنوين: اسم مبهم لقبيلة من قبائل العرب لم تعرف أسماؤهم، (فيضعه) أي: السلى المذكور (على ظهر محمَّد)؛ أي: النبيَّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم (إذا سجد)؛ أي: في صلاته، وكأنَّهم لا يتيسَّر لهم ذلك إلا في الصَّلاة، وذلك لما أنَّه يدعو عليهم، فيكون أقرب للإجابة، وهل كانت هذه الصَّلاة فرضًا أو نفلًا؟ فيه احتمال، ويدلُّ للثاني أنه عليه السَّلام كان يصلي إذ ذاك وحده، وقد يقال: إنه عليه السَّلام كان يصلي النافلة في بيته، ولعلَّه كان يصلي تحيَّة المسجد؛ فهي تحية المسجد على ما يظهر، وصلاته منفردًا دليل على أنَّها نفل لا فرض؛ لأنَّها لو كانت فرضًا؛ لأداها بالجماعة كما هي عادته؛ فتأمل، والله أعلم، (فانبعث)؛ أي: أشرع، وهو مطاوع (بعث)، يقال: بعثه وانبعثه بمعنًى؛ أي: أرسله فانبعث، كذا قاله في «عمدة القاري».
وزعم العجلوني أن معناه: انطلق.
قلت: وهو ممنوع؛ لأنَّ الانطلاق يكون عن غير أمر، بخلاف الإرسال، فإنَّه يكون عن طلب من الغير، فالمعنى الصحيح هنا أن معناه: أرسله، كما لا يخفى؛ فافهم.
(أشقى القوم) وفي نسخة: (أشقى قومه)، وللسرخسي والكشميهني: (أشقى قومٍ)؛ بالتنكير، قال في «عمدة القاري» : ولا خلاف في أن (أفعل) التفضيل إذا فارق كلمة (من)؛ أنَّه يعرَّف باللام أو بالإضافة.
فإن قلت: أي الفرق في المعنى في إضافته إلى المعرفة والنكرة؟
قلت: بالتعريف والتخصيص ظاهر، وأيضًا النكرة لها شيوع؛ معناه: أشقى قوم أيَّ قوم كان من الأقوام؛ يعني: أشقى كل قوم من أقوام الدنيا، ففيه مبالغة ليست في المعرفة.
وزعم ابن حجر أن المقام يقتضي الأول؛ يعني: أشقى القوم؛ بالتعريف؛ لأنَّ الشقاء هنا بالنسبة إلى أولئك الأقوام فقط.
وردَّه في «عمدة القاري» بأن التنكير أولى؛ لما قلنا من المبالغة؛ لأنَّه يدخل ههنا دخولًا ثانيًا بعد الأول، وهذا القائل ما أدرك هذه النكتة، انتهى.