ونسيت السابع)، كما في رواية مسلم المذكورة، وعلى هذا؛ ففاعل (عدَّ) رسول الله عليه السَّلام، وفاعل (لم نحفظه) : عمرو بن ميمون، وقوله: (على أنَّ أبا إسحاق...) إلخ يرده رواية المؤلف في (الجهاد) بمثل ما في «مسلم».
واعترضه أيضًا صاحب «عمدة القاري» فقال: لم يجزم الكرماني بذلك، بل ذكره بالشكِّ، فكيف ينكر عليه بلا وجه؟
وأجابه ابن حجر في «الانتقاض» فقال: (الإنكار عليه؛ لأنَّه حصر الشك في اثنين، وظهر برواية مسلم أن المراد غيرهما) انتهى.
قلت: وهذا الجواب فاسد، فإنَّ الشك استواء الطرفين لا مزية لأحدهما، وهو لا ينفي ما عداهما، فلا حصر في الشك، كما لا يخفى، فإن مراد الكرماني: أنَّه يحتمل أحد الاثنين، ويحتمل غيرهما، فلا حصر في كلامه، كما لا يخفى؛ فافهم.
قال في «عمدة القاري» : (وأما السابع الذي لم يحفظ هنا؛ فهو مذكور عند البخاري في موضع آخر، وهو عمارة بن الوليد بن المغيرة)، وكذا ذكره اليرقاني وغيره، وقال صاحب «التلويح» : (وهو مشكل؛ لأنَّ عمارة هذا ذكره ابن إسحاق وغيره، وله قصة طويلة مع النَّجاشي، وحاصلها: أنَّه تعرَّض لامرأته، فأمر النَّجاشي ساحرًا فنفخ في إحليل عمارة من سحره عقوبة له، فتوحَّش، وصار مع البهائم إلى أن مات في خلافة عمر رضي الله عنه في أرض الحبشة، وقال ابن حجر: (والجواب: أن كلام ابن مسعود في أنه رآهم صرعى في القليب، محمول على الأكثر).
واعترضه في «عمدة القاري» بأن هذا الجواب أخذه من كلام الكرماني، انتهى.
وزعم العجلوني أن ابن حجر لم يدَّع أن الجواب له، فلا اعتراض عليه، انتهى.
قلت: ولمَّا أن ابن حجر ذكر الجواب ولم يَعْزُهُ للكرماني؛ فهو ادِّعاء منه أن الجواب له؛ لأنَّه لو لم يدَّع ذلك؛ لكان عزاه للكرماني، فعدم تصريحه بذلك ادِّعاء منه أنه نسبه لنفسه، كما لا يخفى.
وعبارة الكرماني: (وأجيب: بأنَّ المراد رأى أكثرهم بدليل أن ابن أبي معيط لم يقتل ببدر، بل حمل منها أسيرًا، فقتله النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعد انصرافه من بدر على ثلاثة أميال مما يلي المدينة)، قال صاحب «عمدة القاري» : (بموضع يسمى عرق الظبية، وهو من الروحاء على ثلاثة أميال من المدينة، وقيل: إنه قال لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: أتقتلني من بين سائر قريش؟ قال: «نعم»، ثم قال: بينا أنا بفناء الكعبة وأنا ساجد خلف المقام؛ إذ أخذ بمنكبي، فلف ثوبه على عنقي فخنقني خنقًا شديدًا، ثم جاء مرة أخرى بسلى جزور بني فلان، وكان عُقْبَة من المستهزئين أيضًا، وذكر ابن حبيب أنه من زنادقة قريش، واسم أبي معيط: أبان بن أبي عمرو) انتهى كلامه
(قال) أي: ابن مسعود: (فوالذي نفسي بيده) وفي رواية مسلم: (والذي بعث محمَّدًا بالحق)، وفي رواية النسائي: (والذي أنزل عليه الكتاب)، وفي بعض النسخ: (والذي نفسي في يده)، كذا في «عمدة القاري»، قلت: والمراد باليد: القدرة؛ أي: بقدرته، ولعلَّ ابن مسعود قال ذلك كله تأكيدًا؛ (لقد رأيت الذين) ولابن عساكر: (الذي)؛ بالإفراد؛ لتقدير الموصوف بالقوم أو الفريق، كما في قوله تعالى: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} [التوبة: ٦٩] (عدَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ أي: عدهم، فمفعوله محذوف، وهم السبعة المدعوُّ عليهم (صرعى) : جمع: صريع؛ كجرحى جمع: جريح، مفعول ثان لـ (رأيت)، كذا قاله صاحب «عمدة القاري»، وتبعه القسطلاني.
وادَّعى العجلوني أنه ينبغي أن يكون حالًا، وعلَّله: بأنَّ (رأيت) بصرية وإن أمكن توجيه الأول بمعنى مقتول.
قلت: وفيه نظر، فإن (رأيت) علمية؛ بمعنى: اعتقدت؛ أي: صدق دعاء النبيِّ الأعظم عليه السَّلام حيث إنَّه نفذ فيهم عن قريب، فإعرابه مفعولًا ثانيًا أولى وأحسن؛ فافهم.
(في القَلِيب)؛ بفتح القاف، وكسر اللام، وهو البئر قبل أن تطوى، يذكَّر ويؤنَّث، وقال أبو عبيد: هي العادية القديمة من لدن عاد لا يعرف صاحبها، وقال ابن سيده: هي البئر مطلقًا، وجمع القلة: أقلبة (١)، والكثرة: قُلُب، كذا في «عمدة القاري» (قليبِ بدر)؛ بالجر بدل من (قليب)، ويجوز فيه الرفع والنصب من جهة العربية، أمَّا الرفع؛ فعلى أنه خبر مبتدأ محذوف؛ تقديره: هو قليب بدر، وأما النصب؛ فعلى تقدير: أعني قليب بدر، كذا في «عمدة القاري»، فأفاد أن الرواية بالجر فقط، وبه ظهر فساد تعميم العجلوني الأوجه الثلاثة مع عدم بيانه الرواية؛ فافهم.
قال في «عمدة القاري» : (وفي رواية إسرائيل من الزيادة: (لقد رأيتهم صرعى يوم بدر، ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر، ثم قال عليه السَّلام: «واتَّبع أصحاب القليب لعنة») انتهى.
قلت: وهذا يحتمل أن يكون من تمام الدعاء الماضي، فيكون فيه علم من أعلام نبوته، ويحتمل أن يكون قاله عليه السَّلام بعد أن ألقوا في القليب.
قلت: والاحتمال الثاني أظهر؛ لأنَّ الدعاء الماضي كان بعد فراغه من الصَّلاة وهم كانوا أحياء، وهذا كان بعد إلقائهم في القليب، كما لا يخفى، وهذا قد خفي على ابن حجر؛ فليحفظ.
وزاد شعبة في روايته: (إلا أميَّة؛ فإنه تقطَّعت أوصاله؛ لأنَّه كان بادنًا؛ أي: سمينًا)، فعلى هذا؛ يحمل قوله: (لقد رأيت) على رؤيته أكثرهم صرعى في القليب، وقد يقال: إنه رآهم صرعى جميعًا؛ أي: مطروحين في القليب، ولا يدري هل قتلوا جميعًا أم أكثرهم؟ فأخبر عما رآه منهم، فهو على إطلاقه؛ فتدبر، و (بدر) : اسم موضع الغزوة العظمى المشهورة، وهو ماء معروف على نحو أربع مراحل من المدينة مذكَّرًا ومؤنثًا، وقيل: بدر: بئر كانت لرجل يسمى بدرًا، فسميت باسمه.
قال في «عمدة القاري» : فإن قلت: كم كان عدد الذين ألقوا في القليب؟ أجيب: بأنَّ قتادة روى عن أنس، عن أبي طلحة قال: (لما كان يوم بدر وظهر عليهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ أمر بضعة وعشرين رجلًا)، وفي رواية: (بأربعة وعشرين رجلًا من صناديد قريش، فألقوا في طويٍّمن أطواء بدر)، فإن قلت: إن إلقاءهم في البئر دفن لهم، والحربي لا يجب دفنه، بل يُتْرَكُ في الصحراء وهم كانوا حربًا؟ وأجيب: بأنَّ إلقاءهم في البئر كان تحقيرًا لهم ولئلا يتأذَّى الناس برائحتهم، ولم يكن ذلك دفنًا، فإن قلت: في «سنن الدارقطني» : أن من سننه عليه السَّلام في مغازيه إذا مرَّ بجيفة إنسان؛ أمر بدفنه لا يسأل عنه مؤمنًا كان أو كافرًا؟ قلت: إنَّما كان لا يسأل؛ لأنَّه كان يعلم بالوحي أنه إذا كان مؤمنًا؛ كان يستحقُّ الدفن لكرامته، وإن كان كافرًا؛ فلئلا يتأذى الناس برائحته على أنَّ المراد بدفنه ليس دفنًا شرعيًّا، بل صبُّ التراب عليه للمواراة، فإن قلت: صب التراب عليهم كان يقطع رائحتهم؟ قلت: كان إلقاؤهم في البئر أيسر عليهم في ذلك الوقت مع زيادة التحقير لهم، كما ذكرنا، فإن قلت: كيف كان إلقاؤهم في البئر والناس ينتفعون بمائها؟ وأجيب: بأنَّه لم يكن فيه ماء، وكانت عادته مهجورة، ويقال: إنَّه وافق أنه كان حفرها رجل من بني النار اسمه بدر بن قريش بن مخلد بن النضر بن كنانة الذي سميت قريش به على أحد الأقوال، فكان فألًا مقدَّمًا لهم، انتهى كلام صاحب «عمدة القاري» رضي الله عنه، ثم قال رحمه الله تعالى: والذين دعا عليهم النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم سبعة أنفس، كما ذكروا؛ وهم أبو جهل، وعُتْبَة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عُتْبَة، وأمية بن خلف، وعُقْبَة بن أبي معيط، وعمارة بن الوليد بن المغيرة.
أمَّا أبو جهل؛ فقتله معاذ بن عمرو بن الجموح، ومعاذ بن عفراء، ذكره في «الصحيحين»، ومرَّ عليه ابن مسعود وهو صريع فاحتزَّ رأسه، وأتى به رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال: هذا رأس عدوِّ الله»، ونفله رسول الله عليه السَّلام بسيفه، وقال رسول الله عليه السَّلام: «الحمد لله الذي أخزاك يا عدو الله، هذا كان فرعون هذه الأمة، ورأس أئمة الكفر»، وفي رواية البيهقي: (فخرَّ رسول
(١) في الأصل: (أقبلة)، وليس بصحيح.