للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكان يرى رأي الخوارج، ثم تركه، وهو ختن أبي عبد الرحمن السلمي، مات في ولاية ابن هبيرة على الكوفة، وليس في الكتب الستة سعد بن عبيدة سواه، كذا في «عمدة القاري»، (عن البَرَاء) بتخفيف الموحدة، والراء (بن عازب (١)))؛ بالزاي (٢)، الصحابي الجليل رضي الله تعالى عنه (قال: قال لي النبي) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم: إذا أتيت)؛ بقصر الهمزة؛ أي: إذا أردت أن تأتي (مضجَعك)؛ بفتح الجيم، من ضجَع يضجَع من باب (منَع يمنَع)، وعن القرطبي: كسرها أيضًا؛ كالمطلع، وفي «عمدة القاري» : ويروى: «مضجعك» أصله مضتجعك، من باب الافتعال، لكن قُلِبَتِ التاء طاء؛ والمعنى: إذا أردت أن تأتي مضجعك؛ (فتوضأ) كما في قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ فَاسْتَعِذْ} [النحل: ٩٨]؛ أي: إذا أردت قراءته، والفاء في جواب (إذا) (وضوءك للصلاة)؛ أي: مثل وضوء الصَّلاة، والمراد به الوضوء الشرعي؛ أي: وصل عقبه ركعتين سنته، قال في «عمدة القاري» : (وقد روى هذا الحديث الشيخان من طرق عن البَرَاء بن عازب، وليس فيها ذكر الوضوء إلا في هذه الرواية، وكذا عند الترمذي) انتهى، ويندب هذا الوضوء أيضًا للجنب، وزعم ابن حجر أن ظاهره استحباب تجديد الوضوء لكل من أراد النوم ولو كان على طهارة، ويحتمل أن يكون مخصوصًا بمن كان محدثًا، انتهى.

قلت: وظاهر كلامه اعتماد الأول وهو فاسد؛ لأنَّ الذي صرح به العلماء أن المطلوب أن ينام على طهارة لما في «سنن أبي داود» عن معاذ مرفوعًا: «ما من مسلم يبيت على طهارة فيستعار من الليل فيسأل الله خيرًا من الدنيا والآخرة؛ إلا أعطاه إياه»، فيفيد أن الوضوء مخصوص بمن كان محدثًا وهو المتعيَّن، ولهذا قال في «عمدة القاري» : (فيه: أن الوضوء عند النوم مندوب إليه مرغوب فيه، وكذلك الدعاء؛ لأنَّه قد يقبض روحه في نومه فيكون قد ختم عمله بالوضوء والدعاء الذي هو أفضل الأعمال، ثم إن هذا الوضوء مستحب وإن كان متوضئًا؛ كفاه ذلك الوضوء؛ لأنَّ المقصود النوم على طهارة؛ مخافة أن يموت في ليلته، وليكون أصدق لرؤياه، وأبعد من تلاعب الشيطان به في منامه) انتهى؛ ولهذا كان ابن عمر يجعل الدعاء آخر عمله، فإذا تكلَّم بعده؛ استأنف ذلك لينام عليه اقتداء بالشارع في قوله: «واجعلهن آخر ما تكلم به»؛ فليحفظ، والله أعلم.

وقوله: (ثم اضطجع على شقك الأيمن) هذا أيضًا من سنن النوم مطلقًا ليلًا أونهارًا؛ لأنَّ النبيَّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم كان يحب التيامن في شأنه كله، ولأنَّه يتعلق القلب على الجانب الأيمن، فلا يثقل في النوم، فيكون أسرع إلى الانتباه؛ ليقوم إلى ورده من تهجُّد أو غيره؛ بخلاف النوم على الشق الأيسر، فإنه يستغرق في النوم؛ لاستراحته فيفوته ذلك العمل، ولأن النوم بمنزلة الموت، فيستعد له بالهيئة التي يكون عليها في قبره، فيكون فيه تذكير بالموت، والقبر، وغيرهما من أحوال الآخرة، وقال الكرماني: (إن النوم على الشق الأيمن يكون أسرع إلى انحدار الطعام كما هو مذكور في «الطب»)، ورده صاحب «عمدة القاري» : بأن المذكور في (الطب) خلاف هذا؛ فافهم.

قالوا: النوم على الأيسر أروح للبدن، وأقرب إلى انهضام الطعام، ولكن اتباع السنة أولى، انتهى.

وقال العجلوني: (ما نقله في «عمدة القاري» لا ينافي ما نقله الكرماني، فإن ذاك في انحدار الطعام، وهذا في انهضامه).

قلت: وهو فاسد، بل فيه منافاة لا تخفى، فإن الانحدار غير الانهضام؛ لأنَّ الأول يكون بعد الثاني، ويمكن التوفيق بين العبارتين بما نقله ابن الجوزي، قال: (إن الأطباء يقولون ينبغي أن يضطجع على الجانب الأيمن ساعة، ثم ينقلب إلى الأيسر فينام، فإن النوم على اليمين سبب لانحدار الطعام؛ لأنَّ قصبة المعدة تقتضي ذلك، والنوم على اليسار يهضم؛ لاشتمال الكبد على المعدة) انتهى؛ فتأمل.

(ثم قل: اللهم؛ [أسلمت] وجهي إليك)؛ أي: استسلمت، كذا فسروه وليس بوجه، والأوجه أن يفسر (أسلمت) : بسلَّمت ذاتي إليك منقادة لك طائعة لحكمك؛ لأنَّ المراد من الوجه الذات، كذا قاله صاحب «عمدة القاري»، قال العجلوني: لعل غرضه من هذا الكلام أن «أسلمت» متعد، فكيف يفسر: باستسلمت اللازم؟ بل حقه أن يفسر: بسلَّمت المضعَّف؛ ليكون متعدِّيًا إلى (وجهي)، لكن قوله: لأنَّ المراد من الوجه الذات يظهر أن للتعليل به وجهًا (٣)، وقد يجاب بأن تفسيرهم له بما ذكر تفسير معنًى لا إعراب.

قلت: لقد أنصف أولًا، ثم عدل، وقوله: (وقد يجاب...) إلخ ممنوع؛ فإن هذا تفسير إعراب لا معنًى، كما لا يخفى؛ فافهم.

ثم قال صاحب «عمدة القاري» :وجاء في رواية أخرى: (أسلمت نفسي إليك)، والوجه والنفس ههنا بمعنى الذات، ويحتمل أن يراد به الوجه حقيقة، ويحتمل أن يراد به القصد، وكأنه يقول: قصدتك في طلب سلامتي، وقيل: إن معنى الوجه: القصد والعمل الصالح، وكذا جاء في رواية أخرى: (أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك)، فجمع بينهما، فدل على تغايرهما، ومعنى (أسلمت) : سلَّمت، واستسلمت: أي سلَّمتها لك؛ إذ لا قدرة لي ولا تدبير بجلب نفع، ولا دفع ضرٍّ، فأمرها مفوَّض إليك تفعل بها ما تريد، واستسلمت لما تفعل، فلا اعتراض عليك فيه، وفيه: إشارة إلى أن جوارحه منقادة لله تعالى في أوامره ونواهيه) انتهى كلام «عمدة القاري».

قلت: وهذا يدل على أن تفسيرهم بما ذكر تفسير إعراب لا تفسير معنًى؛ فليحفظ.

(وفوضت) من التفويض؛ وهو التسليم؛ أي: رددت (أمري إليك) وبرئت من الحول والقوة إلا بك، فاكفني همه، وتولَّني صلاحه، ففيه: إشارة إلى أن أموره الخارجة والداخلة مفوَّضة إليه لا مدبِّر لها غيره تعالى، (وألجأت) بالهمز؛ أي: أسندت (ظهري إليك) يقال: لجأت إليه لَجَأً؛ بالتحريك، وملجأ والتجأت إليه بمعنًى، والموضع أيضًا لجأ وملجأ وألجأته إلى الشيء: اضطررته إليه؛ والمعنى هنا: توكلت عليك، واعتمدتك في أمري كما يعتمد الإنسان بظهره إلى ما يسنده، وأتى بقوله: (وألجأت ظهري إليك) بعد قوله: (وفوضت أمري إليك)؛ إشارة إلى أنه بعد تفويض أموره التي يفتقر (٤) إليها، وبها معاشه، وعليها مدار أمره يلتجأ إليه مما يضره ويؤذيه من الأسباب الداخلة عليه والخارجة، كذا قرره إمام الشارحين رحمه الله تعالى (رغبةً)؛ بالغين المعجمة؛ أي: طمعًا في ثوابك، (ورهْبةً)؛ بسكون الهاء؛ أي: خوفًا من عقابك، وهما منصوبان على المفعول له على طريقة اللَّفِّ والنشر؛ أي: فوضت أمري (إليك)؛ رغبة، وألجأت ظهري عن المكاره والشدائد إليك؛ رهبةً منك، ويجوز أن يكون انتصابهما على الحال بمعنى راغبًا وراهبًا.

فإن قلت: كيف يتصور أن يكون راغبًا وراهبًا في حالة واحدة؛ لأنَّهما شيئان متنافيان؟

قلت: فيه حذف؛ تقديره: راغبًا إليك، وراهبًا إليك، كذا قرره في «عمدة القاري».

قلت: فقوله: (إليك) متعلق بـ (رغبة ورهبة)، ويجوز أن يتعلق بـ (رغبة)، ومتعلق بـ (رهبة) محذوف؛ لدلالة المقام عليه؛ أي: منك.

ثم قال إمام الشارحين: فإن قلت: إذا كان التقدير: راهبًا منك، كيف استعمل بكلمة (إلى)، والرهبة لا تستعمل إلا بكلمة (من)؟

قلت: (إليك) متعلق بـ (رغبة)، وأعطى لـ (الرهبة) حكمها، والعرب تفعل ذلك كثيرًا؛ كقول الشاعر:

ورأيت بعلك في الوغى... متقلدًا سيفًا ورمحا

والرمح لا يتقلد، وكقول الآخر:

وعلفتها تبنًا وماء باردًا

والماء لا يعلف. انتهى كلامه.

(لا ملجأ)؛ بالهمزة، ويجوز التخفيف، (ولا منجى)؛ بالألف؛ لأنَّه مقصور من نجا ينجو، والمنجى (مفعل) منه، ويجوز همزه للازدواج، وإعرابهما مثل إعراب (عصًا)، كذا في «عمدة القاري».

قلت: وهذا يقتضي أنهما مقصوران؛ فتأمل (منك إلا إليك) قال في «عمدة القاري» : (وفي هذا التركيب) خمسة أوجه؛ لأنَّه مثل: لا حول ولا قوة إلا بالله، والفرق نصبه وفتحه بالتنوين، وعند التنوين تسقط الألف، ثم إنهما إن كانا مصدرين يتنازعان


(١) في الأصل: (عاذب)، ولعل المثبت هو الصواب، وكذا في الموضع اللاحق.
(٢) في الأصل: (بالذال)، والمثبت موافق لما في كتب التراجم.
(٣) في الأصل: (وجه)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٤) في الأصل: (مفتقر)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>