للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

يمنعن من دخولها؛ كالجنب والنفساء، (قالت حفصة)؛ أي: الراوية (فقلت) أي: لأم عطية: (آلحيض؟!) بهمزة ممدودة على الاستفهام التعجبي من إخبارها بشهود الحيض، (فقالت)؛ أي: أم عطية: (أليس)؛ بهمزة الاستفهام (تشهد) أي: الحيض، واسم (ليس) ضمير الشأن، وفي رواية الكشميهني: (أليستْ تشهد)؛ بالتاء التأنيث في (ليس)، وفي رواية الأصيلي: (ألسن يشهدن)؛ بنون الجمع في (ألسن) مع همزة الاستفهام (عرفة) فيه الظرف محذوف؛ أي: يوم عرفة في عرفات، (وكذا) أي: نحو منًى والمزدلفة، (وكذا)؛ أي: نحو صلاة الاستسقاء وغيرها؟

ففيه دليل: على أن الحائض لا تهجر ذكر الله عز وجل.

وفيه دليل: على جواز استعارة الثياب للخروج إلى طاعة الله عز وجل.

وفيه غزو النساء، ومداواة الجرحى وإن كنَّ غير ذي محارم منها.

وفيه دليل: على قبول خبر المرأة.

وفي قوله: (كنا نداوي) جواز فعل الأعمال التي كانت في زمن النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، وإن كان لم يجز شيئًا من ذلك.

وفيه دليل: على جواز النقل عمن لا يعرف اسمه من الصحابة خاصة وغيرهم إذا بين مسألة ودل عليه.

وفيه دليل: على امتناع خروج النساء بدون الجلابيب.

وفيه جواز تكرار يأتي في الكلام.

وفيه جواز السؤال بعد رواية العدل عن غيره؛ تقوية لذلك.

وفيه جواز شهود الحائض عرفة.

وفيه دليل على وجوب صلاة العيدين، وزعم القرطبي أنه لا يستدل بذلك على الوجوب؛ لأنَّ هذا إنَّما توجه لمن ليس بمكلف بالصَّلاة باتفاق، وإنما المقصود والندب على الصَّلاة والمشاركة في الخير، وإظهار كمال الإسلام، وزعم القشيري أن أهل الإسلام إذ ذاك كانوا قليلين) انتهى.

قلت: وهذا غير صحيح؛ فإن في الحديث دليل واضح: على وجوب صلاة العيدين؛ لأنَّ قوله: (وليشهدن الخير ودعوة المسلمين) أمر من الشارع، وهو وإن كان محمولًا على الندب بدليل آخر إلا أنه هنا المراد به: الطلب في الشهود، وهو يقتضي الوجوب؛ لأنَّه أمر من الشارع، فإذا كان شهود الحائض التي هي غير مكلفة وقتئذٍ مطلوبًا؛ فكيف بالمكلف الطاهر؟ فيجب عليه ذلك وهو دليل الوجوب؛ لا سيما وقد واظب على صلاة العيدين النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم ومن بعده كالخلفاء الراشدين وغيرهم؛ والمواظبة دليل الوجوب قطعًا، فكان كالإجماع على وجوبها، وسوف يأتي تمامه في محله إن شاء الله تعالى.

وقال الخطابي: (فيه دليل على أنهن يشهدن مواطن الخير ومجالس العلم، خلا أنهن لا يدخلن المساجد).

قلت: فيه نظر؛ فإن مصلى العيدين مسجد، وقد أبيح لهن دخوله؛ فافهم.

وقال ابن بطال: (فيه جواز خروج النساء الطاهرات والحُيض إلى العيدين، وشهود الجماعات، وتعتزل الحُيض المصلى، ولكن فيمن تدعو وتؤمن رجاء بركة المشهد الكريم)، وقال القاضي عياض: وقد اختلف السلف في خروجهن؛ فرأى جماعة ذلك حقًّا؛ منهم: أبو بكر، وعلي، وابن عمر، وآخرون (١) رضي الله عنهم، ومنعهن جماعة؛ منهم: عروة، والقاسم، ويحيى بن سَعِيْد الأنصاري، ومالك، والإمام أبو يوسف، وأما الإمام الأعظم؛ فأجازه مرة، ومنعه مرة أخرى، وفي «الترمذي» : (وروي عن ابن المبارك: أكره اليوم خروجهن في العيدين، فإن أبت المرأة إلا تخرج؛ فلتخرج في أطهارها بغير زينة، فإن أبت ذلك؛ فللزوج أن يمنعها)، ويروى عن الثوري: أنه كره اليوم خروجهن.

قال إمام الشارحين: (قلت: اليوم الفتوى على المنع مطلقًا، ولا سيما في الديار المصرية) انتهى.

قلت: ولا سيما في ديارنا الشامية، بل المنع لهن كان واجبًا، وقوله: (مطلقًا) يعني: في جميع الصلوات ولو كانت عجوزًا ولو كانت غير متزينة، كيف ما كانت؛ لفساد الزمان؛ فإن المعاصي قد تجاهروا بفعلها، والأعمال الصالحات قد تركوا العمل بها، فالفساق في الأسواق كثير، لا سيما بالمساجد العظام، ولا أحد ينهى عن المنكر ويأمر بالمعروف؛ فالمنع واجب، ولا يخفى أن هذا اختلاف زمان لا حجة وبرهان.

وقال النووي: (قال أصحابنا -يعني: الشافعية-: يستحب إخراج النساء في العيدين غير ذوات الهيئات والمستحسنات، وأجابوا عن هذا الحديث: بأن المفسدة في ذلك الزمن كانت مأمونة، بخلاف اليوم، وقد صح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (لو رأى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ما أحدث النساء بعده؛ لمنعهنَّ المساجد، كما منعت نساء بني إسرائيل) انتهى.

قلت: فقد اعترف بأنه اختلاف زمان، وعليه؛ فالمنع واجب وهو اتفاق؛ فافهم، وفيه اعتزال الحُيض من المصلى، واختلفوا فيه؛ فقال الجمهور: هو منع تنزيه، وسببه: الصيانة والاحتراز عن مقارنة النساء للرجال من غير حاجة ولا صلاة، وإنما لم يحرم؛ لأنَّه ليس بمسجد (٢)، كذا قاله إمام الشارحين.

وزعم ابن حجر أنه يحرم المكث في المصلى عليها، كما يحرم مكثها في المسجد؛ لأنَّه موضع الصَّلاة؛ فأشبه المسجد، قال صاحب «عمدة القاري» : (والصواب الأول).

قلت: ووجهه أن المصلى حكمه حكم الصحراء؛ بدليل: أن النبيَّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم كان يصلي العيدين في الصحراء، وأصحابه بعده كذلك، فاتخذ المصلى؛ صيانة لحرمة الصَّلاة.

وقول هذا القائل: (يحرم...) إلخ ممنوع؛ فلا وجه للحرمة في ذلك، ولا دليل يدل عليها، ولا بدَّ لها من دليل قطعي ولم يوجد؛ فلا يحرم عليها المكث في المصلى، ومثلها الجنب والنفساء، وقوله: (لأنَّه موضع الصَّلاة) ممنوع؛ فإن الصحراء موضع الصَّلاة، ولم يسع أحدًا أن يقول بحرمة مكثها فيها، وقوله: (فأشبه المسجد) ممنوع أيضًا، كما لا يخفى؛ فإن المشبه لا يعطى له حكم المشبه به من كل وجه، وكيف خفي هذا على هذا القائل؟ فإن المصلى قد أشبه المسجد في الاجتماع للصلاة، والصَّلاة فيه لا في حرمة دخول الحائض والجنب؛ فإن ذلك مباح لهما، وحديث الباب محمول على المنع التنزيهي (٣) بسبب المخالطة، كما قدمناه؛ فافهم.

وقال الكرماني: (فإن قلت: الأمر بالاعتزال للوجوب؛ فهل الشهود والخروج أيضًا واجبان؟ قلت: ظاهر الأمر الوجوب، لكن علم من موضع آخر أنه ههنا للندب) انتهى.

واعترضه ابن حجر فزعم أن الكرماني قد أغرب حيث قال: الاعتزال واجب، والخروج مندوب.

ورده إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري» حيث قال: (قلت: لم يقل الكرماني بوجوب الاعتزال وندبية الخروج من هذا الموضع خاصة حتى يكون مغربًا، وإنما صرح بقوله: إن الأمر بالاعتزال للوجوب، وأما ندبية الخروج؛ فمن موضع آخر) انتهى.

قلت: فإن دأب ابن حجر الاعتراض على الشراح وإن كان غير صواب حتى يقال وقد قيل: ولا ريب أن ذلك من طول اللسان وكثرة الرياء المحبط للأعمال، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم؛ فافهم.


(١) في الأصل: (وآخرين)، ليس بصحيح.
(٢) في الأصل: (مسجد)، وهو تحريف.
(٣) في الأصل: (الننزيه)، وليس بصحيح.

<<  <   >  >>