للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فلم شرطوا في تصديقها بستين يومًا على مذهب الإمام الأعظم؟

قلت: لأنَّ أقل الطهر عندهم خمسة عشر يومًا، فإذا أقرت بانقضاء عدتها؛ لم تصدق في أقل من ستين يومًا؛ لأنَّه يجعل كأنه طلقها أول الطهر وهو خمسة عشر يومًا، وحيضها خمسة اعتبارًا للعادة، فتحتاج إلى ثلاثة أطهار وثلاث حيض، انتهى.

وفي «الملتقى» و «شرحه» : (ومن قالت: مضت عدتي بالحيض؛ فالقول لها مع اليمين؛ لأنَّه لا يعلم إلا من جهتها إن مضى عليها ستون يومًا عند الإمام الأعظم، وعند الإمامين أبي يوسف ومحمَّد بن الحسن: تسعة وثلاثون يومًا وثلاث ساعات للاغتسال)، وقول الإمام هو المختار، كما في «الخانية»، وقيد بالحيض؛ لما في «القنية» : (قالت: انقضت عدتي في يوم أو أقل؛ تصدق أيضًا وإن لم تقل: أسقطت؛ لاحتماله)، قال في «النهر» : (والظاهر أنه لا بد من بيانها صريحًا)؛ ففي «البزازية» : (قالت: ولدت؛ لم يقبل قولها إلا ببينة، ولو قالت: أسقطت سقطًا متبين الخلق؛ قبل قولها، وله أن يحلفها)، وفي «الخلاصة» : (قالت: طلقني زوجي وانقضت عدتي، ووقع في قلبه صدقها وهي عدلة، أو لا؛ حل له تزوجها، وإن قالت: وقع نكاح الأول فاسدًا؛ لم تحل ولو عدلة) انتهى.

قلت: وهذا الأثر المعلق لا يعارض ما قاله الإمام الأعظم رضي الله عنه؛ لأنَّه غير قوي، ولهذا ذكره المؤلف بلفظ التمريض وهو يدل على ضعفه، ووجهه أنهم اختلفوا في سماع الشعبي من علي رضي الله عنه، فقال الدارقطني: (لم يسمع منه إلَّا حرفًا (١) ما سمع غيره)، وقال الحازمي: (لم يثبت أئمة الحديث سماع الشعبي من علي)، وقال ابن القطان: (منهم من يُدخل بينه وبين عبد الرحمن بن أبي ليلى، وسنُّه محتمل لإدراك علي).

قال صاحب «التلويح» : (وكأن البخاري لمح هذا في علي لا في شريح؛ لأنَّه مصرح بسماع الشعبي منه؛ فينظر في تمريضه الأثر عنه على رأي من يقول: إنه إذا ذكر شيئًا بغير صفة الجزم؛ لا يكون صحيحًا عنده وكأنه غير جيد؛ لأنَّه ذكر في «الغنيمة» : ويذكر عن أبي موسى: «كنا نتناوب»؛ بصيغة الجزم وهو سند صحيح عنده) انتهى.

قلت: وهذا غير صحيح؛ فإن ذكر البخاري هذا الأثر المعلق بصيغة التمريض هنا دليل على عدم صحته، يدل لهذا: أنهم اختلفوا في سماع الشعبي من علي، كما علمت؛ فلأجل (٢) الاختلاف فيه ذكره بصيغة التمريض، ولو كان صحيحًا؛ لذكره بصيغة الجزم، وما ذكره في «الغنيمة» عن أبي موسى؛ فإن هناك قرائن وعلامات تدل على صحته، فالصحة جاءت من القرائن لا من لفظ التمريض، وجمهور المحدثين قالوا: إذا ذكر البخاري تعليقًا بصيغة التمريض؛ لا يكون صحيحًا وهو ظاهر؛ لأنَّه لو كان صحيحًا؛ لما وسعه أن يذكره كذلك، بل يذكره بصيغة الجزم، والله تعالى أعلم.

(وقال عطاء) بالمد، هو ابن أبي رباح، مما وصله عبد الرزاق، عن ابن جريج عنه قال: (أقراءها) جمع قرء، والقُرْء؛ بضمِّ القاف وفتحها، مع سكون الراء؛ وهو الحيض؛ لما في «البخاري» من أنه عليه السلام قال: «دعي الصَّلاة أيام أقرائك»، وقد يطلق على الطهر الفاصل بين الحيضتين؛ كقول الأعشى:

مورثة مالًا وفي الحي رفعة... لما ضاع فيها من قروء نسائكا

فهو من الأضداد يقع على الحيض والطهر، وأكثر استعماله في كلام العرب في الحيض، واختلفوا في أنه حقيقة في الحيض، مجاز في الطهر، أو حقيقة فيهما، والمشهور الأول، وقال جماعة بالثاني وهو بعيد يرده الأحاديث؛ فإن أكثر استعمالها في الحيض، وسيأتي تمامه قريبًا إن شاء الله تعالى؛ فليحفظ، (ما كانت)؛ أي: أقراؤها في زمن العدة ما كانت قبل العدة، فلو ادعت في زمن الاعتداد أقراء معدودة في مدة معينة في شهر مثلًا؛ فإن كانت معتادة بما ادعتها؛ فذاك، وإن ادعت في العدة ما يخالف ما قبلها؛ لم يقبل، كذا في «عمدة القاري»، (وبه) أي: بما قاله عطاء (قال إبراهيم) هو النخعي، مما وصله عبد الرزاق أيضًا عن أبي مسعر، عن إبراهيم، (وقال عطاء)؛ بالمد، هو ابن أبي رباح (الحيض يوم إلى خمسة عشر) هذا إشارة إلى أن أقل الحيض يوم، وأكثره خمسة عشر يومًا، وهذا التعليق وصله الدارمي بإسناد صحيح عنه قال: (أقصى الحيض خمسة عشر، وأدنى الحيض يوم وليلة)، ورواه الدارقطني عنه قال: (أدنى وقت الحيض يوم، وأكثره خمسة عشر).

وقد اختلف العلماء في أقل مدة الحيض وأكثره؛ فمذهب الإمام الأعظم رئيس المجتهدين: أقله ثلاثة أيام بلياليها وما نقص عن ذلك؛ فهو استحاضة، وأكثره عشرة أيام بلياليها، وما زاد على ذلك؛ فهو استحاضة.

وقال الإمام أبو يوسف: أقله يومان، والأكثر من اليوم الثالث، ودليل الإمام الأعظم: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «الحيض ثلاث، وأربع، وخمس، وست، وسبع، وثمان، وتسع، وعشر، فإذا زاد؛ فهو استحاضة»، رواه الدارقطني، وقال: لم يروه غير هارون بن زياد، وهو ضعيف الحديث.

وحديث أبي أمامة رضي الله عنه: أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «أقل الحيض للجارية البكر والثيب ثلاثة، وأكثره ما يكون عشرة أيام، فإذا زاد؛ فهو استحاضة»، رواه الطبراني، وكذا الدارقطني، وفي سنده عبد الملك مجهول، والعلاء بن كثير ضعيف الحديث.

وحديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «أقل الحيض ثلاثة أيام، وأكثره عشرة أيام»، رواه الدارقطني، وفي سنده حمَّاد بن منهال مجهول.

وحديث معاذ بن جبل: أنه سمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «لا حيض دون ثلاثة أيام، ولا حيض فوق عشرة


(١) في الأصل: (خرفًا)، وهو تصحيف.
(٢) في الأصل: (فالأجل)، وهو تحريف.

<<  <   >  >>