للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أيام، فما زاد على ذلك؛ فهي استحاضة تتوضأ لكل صلاة إلا أيام أقرائها»، رواه ابن عدي في «الكامل»، وفي مسنده محمَّد بن سَعِيْد، قال ابن معين: (يضع الحديث).

وحديث أبي سَعِيْد الخدري: أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «أقل الحيض ثلاث، وأكثره عشرة، وأقل ما بين الحيضتين خمسة عشر يومًا»، رواه ابن الجوزي، وفيه أبو داود النخعي، واسمه سليمان، زعم ابن حبان أنه يضع الحديث.

وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «[أقل] الحيض ثلاثة أيام، وأربعة، وخمسة، وستة، وسبعة، وثمانية، وتسعة، وعشرة، فإذا جاوز العشرة؛ فهي مستحاضة»، رواه ابن عدي، وفيه الحسن بن دينار ضعيف.

وحديث عائشة الصديقة رضي الله عنها، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «أكثر الحيض عشر، وأقله ثلاث»، رواه ابن الجوزي، وفيه حسين بن علوان، زعم ابن حبان أنه كان يضع الحديث، وفي هذا الباب أحاديث كثيرة، أجاب الإمام أبو الحسن القدوري في «التجريد» : (بأن ظاهر الإسلام يكفي لعدالة الراوي ما لم يوجد فيه قادح، وضعف الراوي لا يقدح إلا أن يقوى من وجه الضعف)، وقال النووي في «شرح المهذب» : (إن الحديث إذا روي من طرق ومفرداتها ضعيفان؛ يحتج به) انتهى.

قلت: وطعن الدارقطني، وابن حبان، وغيرهما في سند هذه الأحاديث تعصب وتعنت، وقالاه ترويجًا لما ذهب إليه إمامهم الشافعي، فلا يعتد بطعنهما؛ لأنَّ الدارقطني مشهور بالتعصب على الإمام الأعظم رئيس المجتهدين.

وقال إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري» : (على أنا نقول: قد شهد لمذهبنا عدة أحاديث عن الصحابة رواية (١) بطرق مختلفة كثيرة يقوي بعضها بعضًا وإن كان كل واحد ضعيفًا، لكن يحدث عند الاجتماع ما لا يحدث عند الانفراد؛ على أن بعض طرقها صحيحة، وذلك يكفي (٢) للاحتجاج خصوصًا في المقدرات، والعمل به أولى من العمل بالبلاغات والحكايات المروية عن نساء مجهولة، ومع هذا نحن لا نكتفي بما ذكرنا، بل تقوى ما ذهبنا إليه بالآثار المنقولة عن الصحابة رضي الله عنهم في هذا الباب، وقد أمعنا الكلام فيه في شرحنا على «الهداية») انتهى كلامه

قلت: وقد ذكر هذه الأحاديث وزاد عليها المحقق كمال الدين بن الهمام في «شرحه» على «الهداية» وقال بعد سردها: فهذه عدة أحاديث عن النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم متعددة الطرق، وذلك يرفع الضعيف إلى درجة الحسن، والمقدرات الشرعية مما لا تدرك بالرأي، فالموقوف فيها حكمه الرفع، بل تسكن النفس بكثرة ما روي فيه عن الصحابة والتابعين إلى المرفوع مما أجاد فيه ذلك الرواي الضعيف، وبالجملة فله أصل في الشرع بخلاف قولهم: أكثره خمسة عشر؛ فإنه لم نعلم فيه حديثًا حسنًا ولا ضعيفًا، وإنما تمسكوا فيه بما روَوه عنه عليه السلام قال في صفة النساء: «تمكث إحداكن شطر عمرها لا تصلي» وهو لو صح؛ لم يكن فيه حجة، لكن قال البيهقي: (إنه لم يجده)، وقال ابن الجوزي في «التحقيق» : (هذا حديث لا يعرف، وأقره عليه صاحب «التنقيح») انتهى.

وقال النووي في «شرح المهذب» : (إنه حديث باطل لا يعرف، وإنما ثبت في «الصحيحين» : «تمكث الليالي ما تصلي») انتهى.

واحتج الحافظ الطحاوي لمذهبنا بحديث أم سَلَمَة: إذ سألتْ عن المرأة تهراق الدماء، فقال النبي الأعظم عليه السلام: «لتنظر عدد الليالي والأيام» من غير أن يسألها عن مقدار حيضها قبل ذلك، وأكثر ما يتناوله الأيام عشرة، وأقله ثلاثة أيام) انتهى.

وأما ما استدلوا به على أقله؛ فلا دليل فيه؛ لأنَّه لما جاز كون الصفة موجودة في اليوم والليلة؛ جاز وجودها فيما دونه؛ فلم لم يجعلوه حيضًا؟ أفاده صاحب «البحر الرائق».

قلت: وأجاب العلامة المنلا علي القاري: (بأن الأحاديث المذكورة في هذا الباب وغيره حين وصولها للمجتهد لا سيما الإمام الأعظم التابعي الجليل؛ كانت في غاية الصحة، ووصفها بالضعف حين وصولها إلينا؛ فكان وصفها بالضعف جراءة وسوء أدب في حق المجتهد...) إلى آخر كلامه، والله تعالى أعلم.

وذهب مالك في رواية: أنه لا وقت لقليل الحيض ولا كثيره إلا ما يوجد في النساء، وفي أخرى: أنه لا يكون أكثر من خمسة عشر يومًا فما دونها، وما زاد؛ فهو استحاضة، وبه قال الشافعي، والطهر المتخلل بين الدمين خمسة عشر يومًا عند الإمام الأعظم، ومالك، والشافعي.

(وقال مُعْتمر) بضمِّ الميم، وسكون العين المهملة، بعدها مثناة فوقية، هو ابن سليمان، وكان أعبد أهل زمانه، (عن أبيه)؛ هو سليمان المذكور ابن طرخان، قال سَعِيْد: (ما رأيت أصدق من سليمان، كان إذا حدث عن النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم؛ تغيَّر لونه)، وقال: شكه بيقين، وكان يصلي الليل كله بوضوء العشاء الآخرة، كذا في «عمدة القاري»، وبه تعلم وهم القسطلاني، وهذا الأثر رواه الدارمي عن محمَّد بن عيسى، عن معتمر قال: (سألت) وللأصيلي، وأبي ذر: (قال: سألت) (ابن سيرين) هو محمَّد المشهور (عن المرأة ترى الدم بعد قُرْئها)؛ بضمِّ القاف، وسكون الراء؛ أي: حيضها المعتاد لا طهرها بقرينة قوله: (بخمسة أيام) فإنه يدل على أنها معتادة، والسؤال صادر عنها، ولا يخفى أن المعتادة ترى الدم، فرؤية الدم ليست قرينة على الطهر، كما زعمه القسطلاني ترويجًا لما ذهب إليه إمامه؛ فليحفظ.

(قال) أي: محمَّد بن سيرين (النساء أعلم بذلك) يعني: التمييز بين الدمين راجع إليها؛ فيكون


(١) في الأصل: (رؤية)، وهو تحريف.
(٢) في الأصل: (يكتفى).

<<  <   >  >>