للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

المعروف بابن أخت نمر، قيل: إنه ليثي كناني، وقيل: أزدي، وقيل: كندي حليف بني أمية، ولد في السنة الثانية، وخرج في الصبيان إلى ثنية الوداع يتلقى النبي الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم مقدمه من تبوك، وشهد حجة الوداع، وذهبت به خالته، وهو وجيع إلى النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فدعا له ومسح برأسه، وقال: «نظرت خاتم النبوة»، وفي «تاريخ نيسابور» للحاكم: «وأحل لي الأخماس»، وإذا تأملت؛ وجدت هذه الخصال اثنتي عشرة (١) خصلة ويمكن أن يوجد أكثر من ذلك عند إمعان التتبُّع، وقد ذكر أبو سَعِيْد النيسابوري في كتابه «شرف المصطفى» أن الذي اختص به نبينا عليه السلام ستون خصلة) انتهى.

قلت: وقد ذكر الشيخ الإمام شهاب الدين أحمد المنيني العثماني في كتابه «الخصائص» : (أن الذي اختص به نبينا الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم فوق المئة)، وذكر السيوطي منها نحو السبعين، وذكر القسطلاني في «المواهب» بعضًا منها، ولم أر أجمع من كتاب «الخصائص» للمنيني، فإنَّه مفيد جدًّا، لم يسبق بنظيره رحمه الله تعالى.

قال إمام الشارحين: (فإن قلت: بين هذه الروايات تعارض؛ لأنَّ المذكور فيها الخمس، والست، والثلاث.

قلت: لا تعارض؛ لأنَّ التنصيص على عدد لا يدل على نفي ما عداه، وقد علم في موضعه)، وأجاب القرطبي: بأن ذكر الأعداد لا يدل على الحصر؛ فإن من قال: عندي خمسة دنانير مثلًا؛ لا يدل على أنه ليس عنده غيرها، ويجوز له أن يقول مرة أخرى: عندي عشرون، ومرة أخرى: ثلاثون، فإن من كان عنده ثلاثون؛ صدق عليه أن عنده عشرين وعشرة؛ فلا تعارض ولا تناقض، ويجوز أن يكون الرب سبحانه وتعالى أعلمه بثلاث، ثم بخمس، ثم بستٍّ) انتهى.

(لم يعطهن أحد) أي: من الأنبياء (قبلي) يعني: لم يجمع لأحد قبله هذه الخمسة؛ لأنَّ نوحًا عليه السلام بعث إلى كافة الناس، وأما الأربع؛ فلم يعط واحد منهن قبله أحد، وأما كونها مسجدًا؛ فلم يأت أن غيره منع منها، وقد كان عيسى عليه السلام يسيح في الأرض، ويصلي حيث أدركته الصَّلاة، كذا قاله الداودي.

قلت: وفيه نظر، فإن قوله: (فلم يأت...) إلخ ممنوع؛ فقد أخرج البزار من حديث ابن عباس نحو حديث الباب، وفيه: «ولم يكن من الأنبياء أحدٌ يصلي حتى يبلغ محرابه»، وفي حديث آخر مرفوعًا: «وإنَّما كانوا يصلون في كنائسهم»، فهذا نص ثابت للخصوصية.

وظاهر حديث الباب أنَّ كل واحد من الخمس لم يكن لأحد قبله، وهو كذلك، وزاد في حديث ابن عباس: (لا أقولهن فخرًا)؛ فليحفظ.

وقوله: (وقد كان عيسى...) إلخ لا ينهض دليلًا لمدعاه؛ لأنَّه يحتمل أن عيسى عليه السلام يسيح في الأرض، ويرجع ويصلي في الكنيسة، ويدل لذلك أن الصَّلاة كانت في شريعته ومن قبله صلاتان؛ صلاة عند طلوع الشمس، وصلاة عند غروبها، قال الله تعالى: {...} (٢)، فإذا كان كذلك فعيسى يصلي أول النهار في محرابه، ثم يسيح إلى أن يقرب الغروب فيرجع فيصلي في محرابه، كما لا يخفى.

وزعم ابن حجر أن نوحًا عليه السلام بعد خروجه من السفينة كان مبعوثًا إلى كل من في الأرض؛ لأنَّه لم يبق إلا من كان مؤمنًا، وقد كان مرسلًا.

وردَّه إمام الشارحين: (بأن هذا العموم الذي في رسالته لم يكن في أصل البعثة، وإنَّما وقع لأجل الحادث الذي حدث؛ وهو انحصار الخلق في الموجودين معه بهلاك سائر الناس وعموم رسالة نبينا الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم في أصل البعثة) انتهى.

ثم قال: (وزعم ابن الجوزي أنه كان في الزمان الأول إذا بعث إلى قوم؛ بعث غيره إلى آخرين، وكان يجتمع في الزمان الواحد جماعة من الرسل، فأمَّا نبينا الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فإنَّه انفرد بالبعثة، فصار بذلك الكل من غير أن يزاحمه أحد) انتهى.

ثم قال إمام الشارحين: (فإن قلت: يقول أهل الموقف لنوح، كما صح في حديث الشفاعة: (أنت رسول إلى أهل الأرض)؛ فدل على أنه كان مبعوثًا إلى كل من في الأرض.

قلت: ليس المراد به عموم بعثته، بل إثبات أولية إرساله، ولئن سلمنا أنه كان مرادًا؛ فهو مخصوص بتنصيص القرآن؛ حيث أخبر سبحانه وتعالى في عدة آيات أنَّ إرسال نوح إلى قومه، ولم يذكر أنَّه أرسل إلى غيرهم) انتهى.

قلت: أمَّا النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فإنَّه سبحانه وتعالى قال في حقه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَاّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ} [سبأ: ٢٨] والفرق بينهما بيِّن؛ فافهم، ثم قال إمام الشارحين: فإن قلت: لو لم يكن نوح مبعوثًا إلى أهل الأرض كلهم؛ لما أهلك كلهم بالغرق إلا أهل السفينة؛ لقوله عز وجل: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: ١٥].

قلت: قد يجوز أن يكون غيره أرسل إليهم في ابتداء مدة نوح، وعلم نوح بأنَّهم لم يؤمنوا فدعا على من لم يؤمن من قومه وغيرهم، قيل: هذا جواب حسن، ولكن لم ينقل أنَّه نبئ في زمن [نوح] غيره.

قلت: يحتمل أنَّه قد بلغ جميع الناس دعاؤه قومه إلى التوحيد؛ فتمادوا على الشرك فاستحقوا العذاب، وإلى هذا نحا ابن عطية في تفسيره سورة هود، قال: (وغير ممكن أنَّ نبوته لم تبلغ القريب؛ لطول مدته)، وقال القشيري: (توحيد الله تعالى يجوز أن يكون عامًّا في حق بعض الأنبياء وإن كان إلزام فروع شريعته ليس عامًا؛ لأنَّ منهم من قاتل غير قومه على الشرك، ولو لم يكن التوحيد لازمًا لهم؛ لم يقاتلهم).

قلت: وفيه نظر لا يخفى، وأجاب ابن حجر: بأنَّه لم يكن في الأرض عند إرسال نوح إلا قوم نوح؛ فبعثته خاصة؛ لكونها إلى قومه فقط؛ لعدم وجود غيرهم، لكن لو اتفق وجود غيرهم؛ لم يكن مبعوثًا إليهم.

قلت: وفيه نظر أيضًا؛ لأنَّه يكون بعثته عامة لقومه؛ لكونهم الموجودين، وعندي جواب آخر: وهو أن الطوفان لم يرسل إلا إلى قومه الذين هو فيهم ولم يكن عامًّا، وهو جيد إن شاء الله تعالى، انتهى كلام إمامنا إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري» رحمه الحليم الباري.

(نُصِرت) بضمِّ النون، وكسر الصاد المهملة (بالرُّعْب)؛ بضمِّ الراء، وسكون العين المهملتين؛ الخوف، زاد أبو أمامة: (يقذف في قلوب أعدائي)، كما ذكرناه، وقرأ ابن عامر، والكسائي: (الرعُب)؛ بضمِّ العين، والباقون


(١) في الأصل: (اثني عشر).
(٢) بياض في الأصل

<<  <   >  >>