للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

بسكونها، يقال: رعبت الرجل أرعبه رعبًا؛ أي: ملأته خوفًا، ولا يقال: أرعبته، كذا ذكره أبو المعالي، وحكي عن أبي طلحة: (أرعبته ورعبته، فهو مرعب)، وفي «المحكم» : (فهو رعيب ورعبة ترعيبًا وترعابًا فرعب)، وفي «الجامع» : (رعبته فأنا راعب، ويقال: رعب، فهو مرعوب، والاسم الرعب؛ بالضم)، وفي «الموعب» : (رجل رعب ومرتعب، وقد رعب ورعب)، كذا في «عمدة القاري»، (مسيرة) بفتح الميم (شهر) جعل الغاية شهرًا؛ لأنَّه لم يكن بين المدينة وبين أحد من أعدائه أكثر منه، كذا في «عمدة القاري»، (وجعلت) بضمِّ الجيم (لي) زاد أبو أمامة: (ولأمتي) (الأرض) كلها (مسجدًا)؛ بكسر الجيم؛ موضع سجوده، وهو موضع الجبهة على الأرض، ولم يكن اختص السجود منها بموضع دون موضع آخر، ويحتمل أن يكون المراد من المسجد: هو المسجد المعروف الذي يصلي فيه القوم، فإذا كان جوازها في جميعها؛ كان المسجد المعهود كذلك، قاله إمام الشارحين.

قلت: وعلى هذا الاحتمال؛ فهو مجاز عن المكان المعد للصلاة، وهو من مجاز التشبيه؛ لأنَّ المسجد حقيقة عرفية في المكان المبني للصلاة، فلما جازت الصَّلاة في الأرض كلها؛ كانت كالمسجد في ذلك، فأطلق عليها اسمه.

فإن قلت: فعلى هذا الاحتمال؛ لم (١) عدلوا عن حمله على الحقيقة اللغوية؛ وهي موضع السجود؟

قلت: أجاب في «المصابيح» : (بأنه إن بني على رأي سيبويه أنه إذا أريد به موضع السجود؛ يقال: مسجَد بالفتح فقط؛ فواضح، وإن جوز الكسر فيه؛ فالظاهر أن الخصوصية هي كون الأرض محلًا؛ لإيقاع الصَّلاة بجملتها، لا لإيقاع السجود فقط، فإنه لم ينقل عن الأمم الماضية أنها كانت تخص السجود بموضع دون موضع آخر) انتهى.

قلت: وهذا مردود، فإن من كان قبل نبينا الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم من الأنبياء عليهم السلام إنَّما أبيح لهم الصلوات في مواضع مخصوصة كالبيع والكنائس، ويدل لهذا: قوله تعالى حكاية عن زكريا عليه السلام: {فَنَادَتْهُ المَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي المِحْرَابِ} [آل عمران: ٣٩]، وأخرج أحمد من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: «وكان من قبل إنَّما يصلون في كنائسهم»، وأخرج البزار من حديث ابن عباس رضي الله عنهما؛ نحو حديث الباب، وفيه: «ولم يكن من الأنبياء أحد يصلي حتى يبلغ محرابه»، فهذا نص صريح في موضع النزاع، فتثبت الخصوصية، فهذه الأمة المحمَّدية خصت بجواز الصَّلاة في جميع الأرض، إلا في المواضع المستثناة بالشرع، أو موضع تيقنت نجاسته، ففي حديث أبي سَعِيْد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم: «الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام»، رواه أبو داود، وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: (نهى النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم أن يصلى في سبعة مواطن: في المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطريق، وفي الحمام، وفي معاطن الإبل، وفوق ظهر بيت الله عز وجل)، رواه الترمذي وابن ماجه.

وقد أخذ الإمام أحمد بظاهرهما؛ فمنع صحة الصَّلاة في هذه المواضع، ورد بأن حديث أبي سَعِيْد قد طعن في سنده الحفاظ، وقال الترمذي: (فيه اضطراب)، وقال غيره: إنه ضعيف، وحديث ابن عمر قد تكلم في رجال سنده الثقات، وقال الترمذي: (إسناده ليس بالقوي)، وقال غيره: إنه ضعيف، وقد تكلم في زيد بن جبيرة من قبل حفظه، فلهذا قال الإمام الأعظم، وأصحابه، والجمهور: الصَّلاة في هذه المواضع مكروهة، وسيأتي في محله إن شاء الله تعالى.

قال إمام الشارحين: (فإن قلت: كان عيسى عليه السلام يسيح في الأرض ويصلي حيث أدركته الصَّلاة.

قلت: ذكر «مسجدًا وطهورًا» وهذا مخصوص بالنبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم؛ حيث كان يجوز له أن يصلي في أي موضع أدركته الصَّلاة فيه، وكذلك التيمم) انتهى.

قلت: وقدمنا ما فيه قريبًا، فلا تكن من الغافلين.

(و) جعلت لي الأرض (طهورًا)؛ بكسر الطاء المهملة؛ لأنَّ المراد به الآلة، وهو كل ما على وجه الأرض، وبالفتح: مصدر بمعنى: النظافة، وبالضم: فضل ما يتطهر به، هذا هو المشهور، فقول القسطلاني: (بفتح الطاء على المشهور) غير مشهور عند الجهمور؛ فافهم، و (أل) في (الأرض) للجنس؛ فيشمل جميع أجزائها، فوصفها النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم بالطهارة، وهذا يدل على أنه يجوز التيمم بجميع أجزاء الأرض؛ كالتراب، والرمل، والحجر الأملس المغسول، والجص، والنورة، والزرنيخ، والكحل، والكبريت، والتوتياء، والطين الأحمر، والأسود، والأبيض، والحائط المطين، والمجصص، والياقوت، والزبرجد، والبلخش، والفيروزج، والمرجان، والأرض الندية، والطين الرطب، والآجر، ومسكوك الذهب والفضة، والخليط بالتراب إذا كان التراب غالبًا، وبالخزف، والحديد، والنحاس، وشبههما ما داما على الأرض، فإن جميع هذا أجزاء الأرض بخلاف غيرها؛ كالثلج، فإنه لا يجوز، ومثله الزجاج، وكذا التراب ونحوه المستعمل في التيمم، هذا مذهب الإمام الأعظم رئيس الأئمَّة، وهو قول الأوزاعي، وسفيان الثوري، وجوزاه بالثلج، والمسك، والزعفران أيضًا.

وقال مالك: يجوز بالتراب، والرمل، والحشيش، والشجر، والثلج، والجص، والآجر.

وقال الشافعي، وأحمد: لا يجوز التيمم إلا بالتراب الذي له غبار.

وتعلقًا بحديث حذيفة عند مسلم: «وجعلت لنا الأرض كلها مسجدًا، وجعلت تربتها طهورًا»، ورد بأن الأصيلي قال: (تفرد أبو مالك بهذه اللفظة، وليست ثابتة عند بقية الرواة)، وقال القرطبي: لا يظن أن ذلك مخصص له، فإن التخصيص إخراج ما يتناوله العموم عن الحكم، ولم يخرج هذا الخبر شيئًا، وإنما عين واحدًا مما يتناوله الاسم الأول مع موافقته في الحكم، وصار بمثابة قوله تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: ٦٨]، وقوله تعالى: {مَن كَانَ عَدُوًّالِّلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: ٩٨] وغير بعض ما يتناوله اللفظ الأول مع الموافقة في المعنى على جهة التشريف، ولذلك ذكر التوبة في حديث حذيفة، ويقال: الاستدلال بلفظ التربة على خصوصية التيمم بالتراب ممنوع؛ لأنَّ تربة كل مكان ما فيه من تراب وغيره، وأجاب ابن حجر، فزعم أنه ورد في الحديث المذكور


(١) في الأصل: (لما)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>