للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فأيقظتهُ، وأيقظَ النَّاس بعضهم بعضًا حتى استيقظَ النَّبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم.

قلت: وهذا يدلَّ على أَنَّ القِصة متعددة، فكان نومهم عن صلاة الصُّبح مرة وأكثر منها، وجزم الأصيلي: أَنَّ القِصة واحدة، وردَّه القاضي عياض: بأنَّ قصة أبي قتادة مغايرة لقصة عمران؛ لأنَّ في قصة أبي قتادة لم يكن أبو بكر وعمر مع النَّبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم لما نام، وفي قصة عمران: أنَّ أول من استيقظ أبو بكر، ولم يستيقظ النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم حتى أيقظه عُمر رضي الله عنه، والَّذي يدلُّ على تعدد القصة: اختلاف مواطنها، كما ذكرناه، وقد تكلف أبو عَمْرو (١) في الجمع بينها، بقوله: (زمان رجوعهم من خيبر كان قريبًا من زمان رجوعهم من الحديبية، وأَنَّ طريقَ مكة يصدق عليهما).

قال القاضي عياض: وفيه تعسُّف؛ لأنَّ رواية عبد الرزاق تعين أنَّها في غزوة تبوك، فهو يرد عليه، وزعم أبو عمر (٢) أيضًا أنَّ نومه عليه السَّلام كان مرَّة واحدة.

وقال ابن العربيِّ: (كان ثلاثَ مراتٍ؛ أحدها: رواية أبيِّ قَتادة، ولم يحضرها أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، والثانية: حديث عمران، وقد حضراها، والثالثة: حضرها أبو بكر وبلال رضي الله عنهما).

وقال القاضي عياض: (حديثُ أبي قتادة غير حديثِ عمران، والدَّليل عليه: أنَّ ذلك وقع مرتين؛ لأنَّه قد رُوي: أن ذلك كان زمنَ الحديبية، وفي رواية: «بطريق مكة»، والحديبية كانت في السَّنةِ السَّادسة، وإسلامُ عِمران وأبي هريرة -الرَّاوي حديث غزوة خيبر- كان بها في السَّنة السَّابعة بعد الحديبية، وهما كانا حاضرين الوقعة).

قال إمام الشَّارحين: (وفيه نظر؛ لأنَّ إسلام عِمران كان بمكة)، ذكره أبو منصور الماوردي في كتاب «الصَّحابة»، وقال ابن سعد، وأبو أحمد العسكري، والطبراني، وآخرون (٣) : (كان إسلامه قديمًا) انتهى والله أعلم.

(فلما استيقظَ)؛ أي: النَّبيَّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، وجواب (لَمَّا) قوله: (شَكَوا)؛ بفتح المعجمة أوله، وتخفيف الكاف (إليه الَّذي أصابهم) من نومهم عن صلاة الفجر حتى خرج وقتها وهم على غير ماء، وعند عبد الرزاق: (فقال: «ألم أقل لك يا بلال؟»)، وعند مسلم: (فقال: «أي بلال»، فقال بلال: أخذَ بنفسي الَّذي أخذَ بنفسك)؛ يعني: أني لا اختيار لي بالانتباه، فإن أرواحنا بيد الله عزَّ وجل، (قال) ولابن عساكر: (فقال)؛ أي: لهم: (لا ضَير أو لا يضير)؛ أي: لا ضرر، من ضاره يضوره، ومضرة ضيرًا وضررًا؛ أي: ضيره، والشَّكُّ من عوف الأعرابي، وقد صرَّح بذلك البيهقي في روايته، ولأبي نعيم في «مُستَخْرَجه» : (لا يسير ولا يضير)، وإنما قال عليه السَّلام ذلك لهم لتأنيس قلوبهم؛ لما عرَضَ لهم من الأسفِ على فوات الصَّلاة عن وقتها؛ لأنَّهم لم يَتَعَمَّدوا ذلك، قاله إمام الشَّارحين، (ارتحِلوا)؛ بصيغة الأمر للجماعة المخاطبين من الصَّحابة، (فارتحَلوا)؛ بصيغة الجمع من الماضي؛ أي: ارتحلوا عقيب أمر النَّبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم بذلك، وفي رواية: (فارتحل)؛ بصيغة الماضي؛ أي: النَّبيَّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، ومن معه من الصَّحابة، والسبب في أمره عليه السلام بالارتحال من ذلك المكان ما في رواية مسلم عن سَلَمَة بن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: فإنَّ هذا منزلٌ حضر فيه الشَّيطان، وقيل: كان ذلك لأجل الغفلة، وقيل: لكون ذلك وقتَ الكراهةِ، وفيه نَظرٌ؛ لأنَّ في حديث الباب: (لم يستيقظوا حتى وجدوا حرَّ الشَّمس)، وذلك لا يكون إلا بعد أن يذهب وقت الكراهة، وقيل: الأمر بذلك منسوخ بقوله تعالى: {وَأَقِمِ (٤) الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: ١٤]، وبقوله عليه السَّلام: «من نام عن صلاة أو نسيها؛ فليصلها إذا ذكرها»، وفيه نظرٌ؛ لأنَّ الآية مكيَّة، والقصَّة بعد الهجرة، كذا قرره إمام الشَّارحين، ثم قال: (وقد ورد عن النَّبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم: «أنَّه نهى عن التشاؤم»، وهنا ارتحل عن الوادي الذي تشاءم منه.

وأجيب: بأنَّه عليه السَّلام كان يعلم حال ذلك الوادي، ولم يكن غيره يعلم به، فيكون خاصًّا به عليه السَّلام، وأخذ بعض العلماء بظاهرهِ، فقال: إن من انتبه من نومِ عن صلاةٍ فائتةٍ في سفر؛ فإنَّه يتحولُ عن موضعه وإن كان بوادي؛ فليخرجْ منه، وقيل: إنَّما يَلزمُ بذلك الوادي بعينه، وقيل: هو خاص بالنَّبيِّ عليه السلام، كما ذكرنا) انتهى.

(فسار) أي: النَّبيَّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه الذين معه (غيرَ بعيدٍ) وهذا يدلُّ على أن الارتحال المذكور وقع على خلاف سَيرِهم المعتاد، قاله في «عُمدة القاري».

قلت: لأنَّ الارتحالَ المذكور إنَّما كان للتجاوزِ عن ذلك المكان الذي ناموا فيه إلى مكانٍ آخرَ، وليس مرادهم السَّير المُعتاد، كما لا يخفى.

(ثم نزل)؛ أي: النَّبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم بمن معه، وفي رواية أحمد: (فسرنا حتى ارتفعتِ الشَّمس)، وهو يدلُّ على أنَّ سيرهم كان قبلَ ارتفاعها، وهو يُخالف حديثَ الباب، وما رواه عبد الرزاق عن عُقْبَة بن عامر قال: (فاستيقظَ حين كانت الشمس قدر رمح) إلا أن يُحمل على تعدد القصَّة؛ فليحفظ.

(فدعا بالوَضوء)؛ بفتح الواو؛ أي: بالماء المُطلَق لأجل الوضوء، (فتوضأ)؛ أي: النَّبيَّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، وأصحابه الذين معه، (ونُودي بالصَّلاة) والمراد بالنداء هو: التأذين؛ لأنَّه قد صرح المؤلف في آخر (المواقيت)، وكذا مُسلم من حديث قتادة بالتأذين.

فإن قلت: من أذَّن لهم؟

قلت: هو بلال، ففي رواية أحمد: (ثم أمر بلالًا، فأذَّن)؛ فافهم.

(فصلى بالناس)؛ أي: صلاةَ الفجرِ، وهذا مجمل، وقد بينه أحمد في روايته قال: (ثم صلَّى الركعتين قبل الفجر، ثم أقام فصلينا، فقالوا: يا رسول الله؛ ألا نُعيد في وقتها من الغد؟ قال: «أَيَنْهَاكُم رَبُّكُم عن الرِّبا ويَقْبَلُه مِنْكم!»)، (فلما انفتل) أي: فرغ (من صلاته) أي: فريضة الفجر؛ (إذا هو برجل) لم يُعْلَم اسمه، قاله إمام الشَّارحين، وزعم صاحبُ «التوضيح» أَنَّه خلاد بن رافعٍ بن مالك الأنصاريُّ أخو رفَاعَة، قال إمام الشَّارحين: (وفيه نظر؛ لأنَّ ابن الكلبيِّ قال: هو شَهِدَ بدرًا، وقُتِلَ يومئذٍ، ووقعة بدر مقدمة على هذه القصة، فاستحال أن يكون هو إياه، وقيل: له رواية، فإذا صح هذا؛ يكون قد عاش بعد النَّبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لاحتمال انقطاعها، أو نقلها عنه صحابي آخر) انتهى كلامه، (معتزل) أي: مُنفرد عن الناس (لم يصل مع القوم)؛ لأنَّه لمَّا فَرَغَ من صلاته، والناس قعود وراءه؛ استقبلهم فرأى هذا الرجل وهو معتزل فعلم بالقرينة الحالية أنه لم يصل مع القوم، فناداه (قال: ما منعك يا فلان) كناية عن اسم مبهم (أَنْ تُصلي مع القوم؟)؛ أي: صلاة الصُّبح، (قال)؛ أي: الرَّجل: يا رسول الله؛ (أصابتني جنابة) يحتمل بسبب الاحتلام، ويُحتمل بسبب وطء زوجته (ولا ماءٌ)؛ بالرفع، والتنوين في (ماء)، وكلمة (لا) بمعنى: ليس، فيرتفع الـ (ماء) حينئذٍ، ويكون المعنى: ليس ماء عندي، قاله إمام الشَّارحين.

وزعم ابن حجر: أن (ماء)؛ بفتح الهمزة؛ أي: معي.

ورده إمام الشَّارحين فقال: هذا تفسير من لم يمسَّ شيئًا من عِلمِ العربِّية؛ لأنَّ كلمة (لا) على قوله؛ لنفي جنس الماء، فأيُّ شيء يقدر خبرها بقوله: معي؟ وعدم الماء عنده لا يستلزم عدمه عند غيره، فحينئذٍ لا يستقيم نفي جنس الماء، ويجوز أن تكون (لا) بمعنى: ليس) انتهى؛ يعني: كما ذكرنا.

وقال ابن دقيق العيد: (حذف الخبر في قوله: «ولا ماء»؛ أي: موجودٌ عندي، وفي حذف الخبر بسط لعذره؛ لما فيه من عموم النفي، كأَنَّه نفى وجود الماء بالكلية بحيث لو وجد بسبب أو سعي أو غيره ذلك؛ لحصله، فإذا نفى وجوده


(١) في الأصل: (عمرو)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) في الأصل: (عمرو)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٣) في الأصل: (آخرين)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٤) في الأصل: (أقم)، وليس بصحيح.

<<  <   >  >>