للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

من الفتنة بدينه، كما فعل الشارع بارتحاله عن بطن الوادي الذي تشاءم به لأجل الشؤم.

العاشر: فيه أنَّ من ذكر صلاة فائتة له أن يأخذ ما يصلحه من وضوء، وطهارة، وابتغاء بقعة تطمئن نفسه للصَّلاة عليها، كما فعل الشَّارع بعد أَنْ ذكر الفائتة، فارتحل بعد الذِّكر ثُمَّ توضأ وتوضأ الناس.

الحادي عشر: فيه استحباب الأذان والإقامة للفائتة؛ لما في «المستدرك» من حديث الحسن (١) عن عِمران: (نمنا عن صلاة الفجر حتى طلعت الشَّمس، فأمر المُؤذن فأَذن، ثُمَّ صلى الرَّكعتين قبل الفجر، ثُمَّ أقام المؤذن فصلى الفجر)، وقال: (صحيحٌ على ما قدمنا)، وعند أحمد: (ثُمَّ أمر بلالًا فأذن، ثُمَّ صلى الرَّكعتين قبل الفجر، ثُمَّ أقام فصلينا).

الثاني عشر: فيه جواز أداء الصَّلاة الفائتة بالجماعة إنْ كان الفرض واحدًا، كما فعل الشَّارع.

الثالث عشر: فيه وجوب طلب الماء للشرب، والوضوء، والغسل.

الرابع عشر: فيه أَنَّ أخذ الماء المملوك لغيره لضرورة العطش بعوض إن كان يعطيه، وإلا؛ فيأخذه قهرًا، كما قدمنا.

الخامس عشر: أَنَّ العطشان يقدم على الجنب عند صرف الماء إلى النَّاس؛ لأنَّه لا خُلف للنفوس إذا زهقت من العطش بخلاف الجُنب؛ لأنَّ الطهارة لها خُلف وهو التَّيمم.

السادس عشر: فيه جواز المعاطاة في الهبات والإباحات من غير لفظ من الجانبين.

السابع عشر: فيه تقديم مصلحة شرب الآدمي والحيوان على غيره كمصلحة الطَّهارة بالماء، ووقع في رواية سلم بن رزين: (غير إنا لم نسق بعيرًا).

وأجيب: بأنَّ هذا مبني على أَنَّ الإبل لم تَكُنْ إذ ذاك مُحتاجة إلى السَّقي.

الثامن عشر: فيه جواز الخلوة بالمرأة الأجنبية والكلام معها عند أمنِ الفتنة في حالة الضَّرورة الشَّرعية.

التاسع عشر: فيه جواز استعمال أواني المشركين، وكذا ثيابهم ما لم يتيقن فيها النجاسة، وقال أئمتنا الأعلام: إذا اشترى ثوبًا من يهودي أو نصراني؛ جاز له أَنْ يصلي به، ولو لم يغسله؛ لأنَّ الأصل في الأشياء الطَّهارة.

العشرون: فيه جواز اجتهاد الصحابة بحضرة النَّبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم وهو المُختار، وعليه الجُمهور، وقيل: لا يجوز، وقد تقدم، وزعم ابن حجر أَنَّ في الحديث جواز أخذ مال النَّاس عِند الضَّرورة بثمنٍ إنْ كان له ثمن.

قال إمام الشَّارحين: (وفيه نظر)، ولم يذكر وجهه.

قلت: وجهه أَنَّ أخذ مال النَّاس ولو بثمنٍ عند الضرورة لا يجوز؛ لأنَّه تصرف بغير إذن من مالكه، وهو غير جائز إلا الماء للشرب؛ لأجل العطش، والطعام؛ للأكل في المجاعة، فإنَّه في هذين الموضعين يجوز أخذ الماء والطعام قهرًا، وما عداهما فإنَّه لا يجوز، يدلُّ عليه قوله عليه السَّلام: «فإنَّ أموالكم عليكم حرام...»؛ الحديث فكيف قال هذا القائل ما قال؛ فافهم.

الحادي والعشرون: فيه جواز تأخير الفائتة عن وقت ذكرها إذا لم يكن عن تغافلٍ أو سهو (٢)، وذلك من قوله: (ارتحلوا)؛ بصِيغة الأمر.

الثاني والعشرون: فيه مُراعاة ذِمام الكافر، والمحافظة به كما حفظ (٣) النَّبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم هذه المرأة في قومها وبلادها، فراعى [في] قومها ذِمامها وإن كانت من ضميمهم.

الثالث والعشرون: فيه جواز الحلف من غير استحلاف.

الرابع والعشرون: فيه جواز الشَّكوى من الرعيَّة إلى الإمام عند حُلول أمرٍ شديدٍ.

الخامس والعشرون: فيه جواز التعريس للمسافر إذا غلب عليه النوم.

السادس والعشرون: فيه مشروعية قضاء الفوائت، وأنَّه لا يسقط بالتأخير.

السابع والعشرون: فيه جواز الأخذ للمُحتاج برضى المطلوب منه، وبغير رضاه إنْ تعين.

الثامنُ والعشرون: فيه جواز النَّوم على النَّبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم كنوم أحد منا في بعض الأوقات.

التاسع والعشرون: فيه جواز السَّفر من غير أن يعين يومًا أو شهرًا، قاله في «عُمدة القاري».

زاد المستملي في روايته قوله: (قال أبو عبد الله) : هو المؤلف نفسه (صبأ: خرج من دين إلى غيره) وأراد المؤلف بهذا: الإشارة إلى الفرق بين الصابئ المراد في هذا الحديث، والصابئ: المنسوب إلى طائفة من أهل الكتاب، أمَّا الصابئ الذي هو المراد في هذا الحديث في قول المرأة المذكورة: (الذي يقال له: الصَّابئ)؛ فهو من صبا إلى الشيء يصبو؛ إذا مال، وهو غير مهموز، وكانت العرب تسمي النبيَّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم: الصَّابئ؛ لأنَّه خرج من دين قريش إلى الإسلام، ويسمون من دخل في الإسلام مصبوًا؛ لأنَّهم لا يهمزون، ويسمون: الصُّباة؛ بغير همز جمع: (صابي) غير مهموز؛ كقاض وقُضاة، وغاز وغُزاة، وقد يقال: صبأ الرجل إذا عشق، وقد يقال: صابئ؛ بالهمز من صبا يصبو؛ بغير همز صبا وصبو؛ إذا خرج من دين إلى آخر.

وأما الصَّابئ المنسوب إلى طائفةٍ من أهل الكتاب؛ فأشار إليه بقوله: (وقال أبو العالية) : هو رُفيع؛ بضمِّ الراء، ابن مهران الرياحي، مما وصله ابن أبي حاتم من طريق الربيع بن أنس عنه قال: (الصابئين) جمع صابئ، وأصله من صبأ يصبأ صبأ.

والصَّابئ نسبة إلى صابي ابن أبي متوشلخ بن أخنون بن برد بن مهليل بن فتين بن بايش بن شيث بن آدم عليه السلام، وقيل: نِسبة إلى صابي بن ماري، وكان في عصر إبراهيم الخليل عليه السلام، كذا قاله الرشاطي.

وأراد أبو العالية تفسير (الصَّابئين) المذكور في قوله تعالى: {إِنَّ الذينَ آمَنُوا وَالذينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: ٦٢]، وهو إن كان عربيًّا؛ فمن صبأ؛ إذا خرج، يقال: صبأ ناب البعير يصبأ صبًا وصبوًا؛ أي: طلع حده، وصبا الرجل صبوًا؛ أي: خرج من دين إلى آخر، ويقال: صبا يصبو صبوةً وصبوًا؛ أي: مال، كذا في «الصحاح».

وقرأ الجمهور: (والصابئين)؛ بالهمزة بعد الباء؛ كالخاطئين، وقرأ نافع: بياء تحتية ساكنة بعد الموحدة بغير همزة بينهما،


(١) في الأصل: (الحسين)، وهو تحريف.
(٢) في الأصل: (سهوى)، ولعله تحريف.
(٣) في الأصل: (حفظه)، و المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>