للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

(ما بقي بالناس) وفي رواية الكشميهني: (في الناس)، وفي رواية: (من الناس) (أعلم مني) أي: بذلك المنبر من أي شيء، وهذا لا ينافي وجود أحد من الصحابة في غير المدينة؛ كالكوفة والبصرة؛ لأنَّ مراده الناس التي بالمدينة، وقد يكون الذي في غيرها غير عالم بذلك؛ لكونه صغيرًا؛ فتأمل.

(هو) : مبتدأ؛ أي: المنبر (من أَثْل الغابة) خبره، وفي رواية أبي داود: (من طرفاء الغابة)، و (الأَثْل)؛ بفتح الهمزة، وسكون المثلثة: شجر شبه الطَّرْفاء إلا أنه أعظم منه، قاله ابن سيده، وقال أبو زياد: الأثل: شجر طوال ليس له ورق يثبت، مستقيم الخشب، وخشبه جيد يحمل إلى القرى فيبنى عليه بيوت المدر، وورقه هدب دقاق، وليس له شوك، يصنع منه القصاع، والأواني الصغار والكبار، والمكاتب، والأبواب، وهو النضار، وقال أبو عمرو: هو أجود الخشب للآنية، وأجود النضار الورس؛ لصفرته، ومنبره عليه السَّلام نضار، وفي «الواعي» : الأثل: حمصة؛ مثل الأشنان، ولها حب؛ مثل حب التنوم، ولا ورق له، وإنما هي أشنانه، يغسل بها القصارون غير أنها ألين من الأشنان.

وقال القزاز: هو ضرب من الشجر يشبه الطرفاء، وليس به شوك وهو أجود منه عودًا، ومنه يصنع قداح الميسر والتَّنُّوْم -بفتح المثناة الفوقية، وضم النون المشددة، وبعد الواو الساكنة ميم-؛ وهو نوع من نبات الأرض، فيه وفي ثمره سواد قليل.

و (الغابة)؛ بالغين المعجمة والموحدة: أرض على تسعة أميال من المدينة، كانت إبل النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم مقيمة بها للمرعى، وبها وقعت قصة العرنيين الذين أغاروا على سرحه عليه السَّلام، وقال ياقوت: (بينها وبين المدينة أربعة أميال)، وقال البكري: (هما غابتان عليا وسفلى)، وقال الإمام الزمخشري: (الغابة: بريد من المدينة من طريق الشام)، وقال الواقدي: (ومنها صنع المنبر)، وفي «الجامع» : (كل شجر ملتف؛ فهو غابة)، وفي «المحكم» : (الغابة: الأجمة التي طالت، ولها أطراف مرتفعة باسقة)، وقال الإمام: هي أجمة القصب، وقد جعلت جماعة الشجر غابًا، مأخوذ من الغيابة، والجمع: غابات وغاب.

و (الطَّرْفاء)؛ بفتح الطاء المهملة، وسكون الراء المهملة، ممدودة؛ شجر من شجر البادية، واحدها طَرفة؛ بفتح الطاء؛ مثل: قصبة وقصبًا، وقال سيبويه: (الطرفاء واحد وجمع)، كذا في «عمدة القاري».

قلت: والطرفاء: شجر له ساق وورق صغير ناعم؛ مثل الصنوبر، قد رأيته في أرض المرج؛ الغوطة عند البحرة، والله أعلم.

(عمله) أي: المنبر؛ يعني: صنعه ونجره (فلانٌ)؛ بالتنوين؛ لأنَّه منصرف؛ لأنَّه كناية عن علم المذكر، بخلاف فلانة؛ فإنها كناية عن علم المؤنث، والمانع من صرفه وجود العلتين؛ وهما العلمية والتأنيث، كذا في «عمدة القاري».

قال إمام الشَّارحين: (واختلفوا في اسم فلان الذي نجر منبره عليه السَّلام؛ ففي كتاب «الصحابة» لابن الأمين الطليطلي: أن اسم هذا النجار قبيصة المخزومي، ويقال: ميمون، وقيل: صلاح غلام العباس بن عبد المطلب، وقال ابن بشكوال: وقيل: هو ميناء، وقيل: إبراهيم، وقيل: باقوم؛ بالميم في آخره، وقال ابن الأثير: (عمله باقوم، وكان روميًّا غلامًا لسعيد بن العاص، مات في حياة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم).

وروى ابن سعد في «شرف المصطفى» من طريق ابن لهيعة عن سهل قال: (كان في المدينة نجار واحد يقال له: ميمون)؛ وذكر قصة المنبر، وقال ابن التين: (عمله غلام لسعد بن عبادة، وقيل: لامرأة من الأنصار)، وروى أبو داود عن نافع، عن ابن عمر: (أن النبيَّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم لما بدن؛ قال له تميم الداري: ألا أتخذ لك منبرًا يا رسول الله تجمع أو تحمل عظامك؟ قال: «بلى»، فاتخذ له منبرًا مرقاتين).

وفي «طبقات ابن سعد» من حديث أبي هريرة قالوا: (كان النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم يخطب يوم الجمعة إلى جذع قائمًا، فقال: «إن القيام شق علي»، فقال تميم الداري: ألا أعمل لك منبرًا كما رأيت بالشام؟ فشاور النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم المسلمين في ذلك، فرأوا أن يتخذه، فقال العباس بن عبد المطلب: إن لي غلامًا يقال له: كلاب [مِنْ] أعمل الناس، فقال النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم: «مره أن يعمله»، فعمله درجتين ومقعدًا، ثم جاء به فوضعه في موضعه) انتهى.

قلت: وروى عبد الرزاق: أن اسم هذا النجار: باقول؛ باللام، والظاهر: أن الأقرب من هذه الأقوال أن اسم هذا النجار كلاب غلام للعباس بن عبد المطلب، كما يدل عليه حديث أبي هريرة، وكذا حديث ابن عمر، والظاهر: أنه هو اختيار إمام الشَّارحين، ويحتمل أن الأقرب أنه باقوم -بالميم- الرومي غلام سعيد بن العاص، كما قاله ابن الأثير، وكذا الغافقي، وزعم ابن حجر أن الأقرب أنه ميمون، كما قاله الصغاني.

قلت: وهو ممنوع، فإنه لا دليل على أنه هو، وما روى ابن سعد من طريق ابن لهيعة لا يعتمد عليه؛ لشهرة ابن لهيعة بالضعف؛ لأنَّه كذوب، فلا يعول عليه، والأقرب أنه كلاب، كما دل عليه حديث أبي هريرة وابن عمر المروي؛ الأولى: عند ابن سعد، والثاني: عند أبي داود من طريق صحيح؛ فليحفظ.

(مولى فلانةَ) : ممنوع من الصرف؛ للعلمية والتأنيث؛ لأنَّه كناية عن علم المؤنث؛ وهي عائشة الأنصارية، كما قاله إمام الشَّارحين، وسيأتي بيانه، فيحتمل أنها زوجة العباس بن عبد المطلب، ويحتمل أنها زوجة سعيد بن العاص، فأطلق على النجار أنه مولًى لها، إما على الحقيقة، وإما على المجاز؛ فتأمل.

قال إمام الشَّارحين: وفي «الدلائل» (١) لأبي موسى المديني نقلًا عن جعفر المستغفري أنه قال في أسماء الرجال في الصحابة: علاثة؛ بالعين المهملة، وبالثاء المثلثة، ثم ساق هذا الحديث من طريق يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم، وقال فيه: أرسل إلى علاثة امرأة قد سماها سهل، قال أبو موسى: (صحف فيه جعفر أو شيخه، وإنما هي فلانة)، وقال الذهبي: (علاثة في حديث سهل: «أن مري غلامك النجار أن يعمل لي أعوادًا»، وإنما هي فلانة) انتهى.

وقال الكرماني وتبعه البرماوي: قيل في فلانة: اسمها عائشة الأنصارية، وزعم ابن حجر أنَّه أظنُّه صحَّف المصحَّف.

ورده إمام الشَّارحين فقال: (قلت: هذا الطبراني روى في «معجمه الأوسط» من حديث جابر رضي الله عنه: أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يصلي إلى سارية المسجد، ويخطب إليها، ويعتمد عليها، فأمرت عائشة فصنعت له منبره هذا، وبه يستدل على أن فلانة هي عائشة المذكورة، ولا سيما قال قائله: (الأنصارية)، ولا يستبعد


(١) في الأصل: (الدئل)، وليس بصحيح.

<<  <   >  >>