للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أعلى البيت شبه الغرفة، وقيل: الخزانة، وهي بمنزلة السطح لما تحتها، كذا في «عمدة القاري»، (له) أي: ملكه عليه السَّلام (درجتها) أي: سلمها الذي يتوصل إليها (من جُذُوع النخل)؛ بضم الجيم والذال المعجمة، جمع جِذْع -بكسر الجيم وسكون الذال المعجمة- وجمعه: جذوع وأجذاع، قاله ابن دريد، وقال الأزهري: (ولا يتبين للنخل جذع حتى يتبين ساقها)، وفي «المحكم» : (الجذع: ساق النخلة)، كذا قاله الشَّارح، وفي رواية: (من جُذوعٍ) فقط بضم الجيم والتنوين؛ بغير إضافة؛ والمعنى: أن هذه الغرفة مصنوعة من جذوع النخل.

(فأتاه أصحابه يعودونه)؛ بالدال المهملة، من العيادة للمريض، (فصلى) عليه السَّلام (بهم) أي: بأصحابه (جالسًا)؛ بالنصب على الحال، صلاة الظهر يوم السبت أو الأحد، كذا قاله البيهقي في «المعرفة» (وهم قيام) : جملة اسمية حالية، والقيام: جمع قائم، أو مصدر بمعنى اسم الفاعل، ففيه جواز الصلاة على السطح وعلى الخشب؛ لأنَّ المشربة بمنزلة السطح لما تحتها، والصلاة فيها كالصلاة على السطح، وبذلك قال الإمام الأعظم، وأصحابه، والجمهور، وكره الحسن وابن سيرين الصلاة على الألواح والأخشاب، وكذلك روي عن ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما، وكذلك روي عن مسروق: أنه كان يحمل لبنة في السفينة يسجد عليها، كذا رواه عنهم ابن أبي شيبة بسند صحيح، كذا قاله إمام الشَّارحين، وقال ابن بطال: ومطابقة الحديث للترجمة في صلاته عليه السَّلام بأصحابه على ألواح المشربة وخشبها، والخشب مذكور في الترجمة، واعترضه الكرماني فقال: ليس في الحديث ما يدل على أنه صلى على الخشب؛ إذ المعلوم منه أن درجها من الجذوع لا نفسها، ويحتمل أنه ذكره لغرض بيان الصلاة على السطح؛ إذ يطلق السطح على أرض الغرفة.

ورده إمام الشَّارحين فقال: (قلت: الظاهر: أن الغرفة كانت من خشب، فذكر كون درجها من النخل لا يستلزم أن تكون البقية من البناء، فالاحتمال الذي ذكره ليس بأقوى من الاحتمال الذي ذكرناه) انتهى.

قلت: ولا يخفى أن معنى جذوع النخل: ساقها، والساق: خشب يوضع على الجدران، يعمل منه الأسقف، والدرجة مصنوعة من تلك الجذوع، فهي مبنية من الجذوع؛ لأنَّ سقفها وجدرانها وسطحها كلها من الجذوع، فيطلق عليه أنه صلى على الخشب، وما زعمه الكرماني من أنه ليس في الحديث... إلخ؛ ممنوع، فإن الحديث دال على ذلك، كما لا يخفى.

وقوله: (إذ المعلوم...) إلى آخره: ممنوع أيضًا، فإن نفس الغرفة مبنية من الجذوع؛ سقفها، وسطحها، وجدرانها، وبابها، كما لا يخفى.

وقوله: (ويحتمل...) إلى آخره: هذا قاصر؛ لأنَّه لا يشمل الصلاة على الخشب؛ فافهم.

(فلما سلَّم)؛ بتشديد اللام؛ أي: فرغ من صلاته واستقبال القبلة؛ استقبل الناس، ثم (قال) لهم مبينًا حكم الإمام: (إنما جُعِل) بضم الجيم مبني للمجهول (الإمام)؛ أي: إمامًا، وأتى بكلمة (إنما) للحصر؛ لأجل الاهتمام والمبالغة، والمفعول الثاني لقوله: (جعل) محذوف؛ تقديره: إنَّما جعل الإمام إمامًا؛ (ليؤتم) أي: لأجل أن يقتدى (به) وتتبع أفعاله، والمفعول الأول وهو قوله: (الإمامُ) قائم مقام الفاعل، ففيه دليل على وجوب المتابعة للإمام في جميع الأفعال حتى في الموقف والنية، فقال الإمام الأعظم ومالك: يضر اختلاف النية، وجعلا اختلافها داخلًا تحت الحصر في الحديث، وقال مالك: لا يضر الاختلاف بالهيئة بالتقدم في الموقف، وجعل الحديث عامًّا في ما عدا ذلك، وقال محمد بن إدريس: لا يضر اختلاف النية، وجعل الحديث مخصوصًا بالأفعال الظاهرة.

قلت: والحديث حجة على الشافعي؛ لأنَّ صلاة النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم بأصحابه إنَّما كانت واحدة، وهي فرض الظهر، فاختلاف النية يضر الصلاة، وهو الظاهر من الحديث، وكذلك اختلاف الموقف، كما علم من الفروع.

(فإذا كبر) أي: الإمام للتحريمة؛ (فكبروا)؛ أي: ليكبر من خلفه للتحريمة، وهم المقتدون به، ففيه حجة قوية، ومحجة مستقيمة لما ذهب إليه الإمام الأعظم رئيس المجتهدين: أن المقتدي يكبر مقارنًا لتكبير الإمام، لا يتقدم الإمام ولا يتأخر عنه؛ لأنَّ (الفاء) معناها الحال، وهذا هو الأفضل، وقال الإمامان أبو يوسف ومحمد بن الحسن: الأفضل أن يكون تكبير المقتدي بعد فراغ تكبير الإمام؛ لأنَّ (الفاء) معناها التعقيب، فإن كبر مع الإمام؛ أجزأه عند الإمام محمد رواية واحدة ويكون مسيئًا، وكذلك في أصح الروايتين عن الإمام أبي يوسف، وفي رواية عنه: لا يصير شارعًا، ثم ينبغي أن يكون اقترانهما في التكبير على قوله كاقتران حركة الخاتم والإصبع، والبعدية على قولهما أن يوصل ألف (الله) براء (أكبر)، وقال شيخ الإسلام: قول الإمام الأعظم أدق وأجود، وقولهما أرفق وأحوط، وبقولهما قال محمد بن إدريس، وزعم الماوردي إن شرع في تكبيرة الإحرام قبل فراغ الإمام منها؛ لم تنعقد صلاته، ويركع بعد شروع الإمام في الركوع، فإن قارنه أو سابقه؛ فقد أساء، ولا تبطل صلاته، فإن سلم قبل إمامه؛ بطلت صلاته، إلا أن ينوي الإمام المفارقة، ففيه خلاف.

(وإذا ركع) أي: الإمام؛ (فاركعوا) أي: ليركع من خلفه من المقتدين، (وإذا سجد) أي: الإمام؛ (فاسجدوا)؛ أي: ليسجد من خلفه من المقتدين، و (الفاء) في (فاركعوا) و (فاسجدوا) للتعقيب، وهو يدل على أن المقتدي لا يجوز له أن يسبق الإمام بالركوع والسجود، حتى إذا سبقه فيهما أو أحدهما ولم يلحقه الإمام فيه؛ فسدت صلاته، فلا بد من اشتراكهما في أداء الركن، فلو انفرد المقتدي بركن لم يشاركه فيه إمامه؛ فسدت صلاته.

(وإن صلى) وللأصيلي: (وإذا صلى) أي: الإمام (قائمًا؛ فصلوا قيامًا)؛ مفهومه: إن صلى قاعدًا؛ يصلي المأموم أيضًا قاعدًا، وهو غير جائز، ولا يعمل به؛ لأنَّه منسوخ لما ثبت أنه عليه السَّلام صلى في آخر عمره قاعدًا، وصلى القوم خلفه قائمين.

فإن قلت: جاء في بعض الروايات: (فإن صلى قاعدًا؛ فصلوا قعودًا).

قلت: معناه: فصلوا قعودًا إذا كنتم عاجزين عن القيام مثل الإمام، فهو من باب التخصيص، أو هو منسوخ كما ذكرنا، كذا قاله

<<  <   >  >>