للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أتى بهذا؛ لأجل التقوية ونحوها مما سيأتي، وهذا يدل على أنه تعليق؛ فافهم.

(ثم سألت الحُصَين) وفي رواية الكشميهني: (ثم سألت بعد ذلك الحُصَين) (بن محمد)؛ وهو بضمِّ الحاء المهملة، وبفتح الصاد المهملة، هكذا ضبطه جميع الرواة إلا القابسي، فإنَّه ضبطه بالضاد المعجمة، وغلطوه في ذلك (الأنصاري)، ثم المدني من ثقاة التابعين.

فإن قلت: محمود كان عدلًا، فلمَ سأل الزهري غيره؟

قلت: إمَّا للتقوية ولاطمئنان القلب، وإمِّا لأنَّه عرف أنه نقله مرسلًا، وإمَّا لأنَّه تحمَّله وهو صبي، واختُلِفَ في قبول المتحمل زمن الصبا؛ كذا في «عمدة القاري».

قلت: والأظهر: أنَّ تَحَمُّل الصبي زمن صباه وتحديثه بعده مقبول، وعليه الجمهور، ويدل عليه: ما ذكره الفقهاء في أبواب (الشهادات) : أنَّ الصبي إذا تحمَّل الشهادة في حال صباه وأدَّاها حال بلوغه؛ فهي مقبولة معتبرة؛ فافهم.

(وهو أحد بني سالم) هي قبيلة من الأنصار (وهو)؛ أي: الحصين بن محمد، وإنما أعاد الضمير؛ لطول الكلام (من سَراتهم)؛ بفتح السين المهملة؛ أي: سراة بني سالم، جمع سُرى، قال أبو عبيد: (هو المرتفع القدر).

وفي «المُحْكم» : (السرو (١) : المروءة والشرف، سروسراوة، وسروًا الأخيرة عن سيبويه واللحياني، وسرا سروًا، وسرى يسري سراء، ولم يحك اللحياني مصدر سرا إلا ممدودًا، ورجل سري من قوم أسرياء: شرفاء؛ كلاهما عن اللحياني، والسراة: اسم للجمع، وليس يجمع عند سيبويه، ودليل ذلك قولهم: سروات).

وفي «الصحاح» : (وجمع السرى: سراة، وهو جمع عزيز أن يجمع فعيل على فعلة، ولا يعرف غيره).

وفي «الجامع» : (وقولهم: فلان سري، إنَّما معناه في كلام العرب: الرفيع، وهو من سرو الرجل يسرو: صار رفيعًا، وأصله: من السراة، وهو من أرفع المواضع من ظهر الدابة، وقيل: بل السراة: الرأس، وهو أرفع الجسم)، كذا في «عمدة القاري»؛ يعني: من أشرف بني سالم.

وقوله: (عن حديث محمود بن الربيع) زاد ابن عساكر: (الأنصاري) متعلق بقوله: (سألت) (فصدقه بذلك)؛ أي: بالحديث المذكور، وهذا يحتمل أن يكون الحصين سمعه أيضًا من عتبان، ويحتمل أن يكون حمله من صحابي آخر، وليس للحصين ولا لعتبان في «الصحيحين» سوى هذا الحديث، كذا قاله إمامنا الشَّارح، ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة.

وفي الحديث أحكام:

الأول: جواز إمامة الأعمى مع وجود مثله بصيرًا، ولكنَّه يكون مكروهًا، فإن لم يوجد غيره؛ فلا كراهة، وصرَّح الإمام الشيخ علاء الدين المفتي بديارنا الشريفة الشامية في «شرحه» على «ملتقى الأبحر» : بكراهة إمامة الأعمى كراهة تنزيه؛ لأنَّه لا يتحفظ من النجاسات، فإن لم يوجد غيره؛ فلا كراهة.

الثاني: جواز التخلف عن الجماعة؛ لعذر؛ كمطر، وظلمة، وخوف على نفسه، وغيرها، وقد ورد في الحديث: أنَّ من كان نيَّته حضور الجماعة لولا العذر؛ يحصل له (٢) ثوابها، وإن لم يحضرها؛ فإن الأعمال بالنيات، كما صرَّح به في «إمداد الفتاح».

الثالث: فيه جواز إخبار المرء عن نفسه بما فيه من عاهة، وليس ذلك من الشكوى.

الرابع: جواز اتخاذ موضع معيَّن للصلاة.

فإن قلت: روى أبو داود في «سننه» من النهي عن إيطان موضع معين من المسجد.

قلت: هو محمول على ما إذا استلزم رياء وسمعة ونحوهما.

قلت: ووجه النهي عن ذلك: أنه في صلاته في مواضع من المسجد يكون فيه تكثير الشهود له في الصلاة؛ لما ورد في الحديث: «أن الأرض تشهد لمن يسجد عليها»، ومثله: حلق الشعر، وقص الأظفار يوم الجمعة، ورد: أنَّه يفعل ذلك بعد الصلاة؛ لأجل أن يشهد معه يوم القيامة، لكن لما كان الغالب في اتخاذ موضع للصلاة حصول الرياء، والسمعة، والإشارة إليه بأنَّه مصلى فلان؛ ورد النهي عنه؛ كما في حديث أبي داود، أمَّا إذا أمن من ذلك؛ فلا كراهة، كما دل عليه حديث الباب؛ فافهم.

الخامس: استحباب تسوية الصفوف، يدل عليه حديث أنس قال: (صلى لنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم صلاة، ثم رقي المنبر، فقال في الصلاة: «أقيموا صفوفكم وتراصوا (٣)، فإني أراكم من وراء ظهري... ؛») الحديث؟، كما سبق في (عِظَة الإمام)، والأمر فيه للندب بالإجماع، ويحتمل أنه عليه السَّلام قاله حيث كان المسجد ضيقًا حتى يسع الناس، بدليل: أنه رآهم يوم الجمعة؛ لأنَّه بعد الصلاة رقي المنبر، أمَّا إذا كان المسجد واسعًا كمسجد بني أمية؛ فالظاهر: أنه لا يندب التراص (٤)، وهذا بخلاف ما يفعله بعض المتعصبين من الشافعية من التزاق بعضهم ببعض لزقًا شديدًا بحيث يكون الرجل على الرجل، فمكروه أو حرام؛ لأنَّ ذلك يفضي إلى إيذاء الجار، وربَّما يكون جاره مريضًا أو شيخًا فانيًا، فإنَّه يتضرر بذلك، وضرر المسلم أو إيذاؤه حرام، فيظنُّ أنه قد فعل مستحبًّا يثاب على فعله، والحال أنه فعل معصية يعاقب على فعلها؛ فافهم.

السادس: جواز اتخاذ مسجد في البيت، وأنه لا يخرج عن ملك صاحبه، بخلاف المتخذ في المحلة.

قلت: يعني: فإنَّه يخرج عن ملك صاحبه، ومثله المتخذ في البيت مع الإذن العام لكل أحد من الناس، فإنَّه حينئذ يخرج عن مِلكه، فما ذكر في الباب محمول على أنه لم يأذن لكل أحد، بل الإذن فيه خاص؛ فافهم.

السابع: استحباب التبرُّك بمصلى الصالحين، ومساجد الفاضلين.

الثامن: استحباب الدعوة لغير وليمة عرس، أمَّا هي؛ فواجبة، وأنه من دعي من الصالحين إلى شيء يتبرك به منه؛ فله أن يجيب إليه إذا أَمِنَ العُجْب.

التاسع: وجوب الوفاء بالوعد؛ لما في «الصحيح» في (علامات المنافق)؛ منها: «إذا وعد؛ أخلف»، فمن وعد في شيء؛ يجب الوفاء به، وهذا إذا ذكره على الجزم، أمَّا إذا وعده وألحق به


(١) في الأصل: (السرة)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) في الأصل: (لها)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٣) في الأصل: (وتراضوا)، وهو تصحيف.
(٤) في الأصل: (التراض)، وهو تصحيف.

<<  <   >  >>