للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

من أيلول سنة سبعمئة وثلاث وثلاثين لذي القرنين).

وقال الخوارزمي: (من حين ولد إلى حين أسري به أحد وخمسون سنة، وسبعة أشهر وثمانية وعشرين يومًا، ومنه إلى اليوم الذي هاجر سنة وشهران ويوم، فذلك ثلاث وخمسون سنة، وكان ذلك يوم الخميس).

وقال ابن سعد في «الطبقات» : (إنَّه عليه السَّلام خرج من الغار ليلة الاثنين لأربع ليال خلون من شهر ربيع الأول، فأقام يوم الثلاثاء بقديد، وقدم على بني عمرو بن عوف لليلتين خلتا من ربيع الأول، ويقال: لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول، فنزل على كلثوم بن هدم، وهو السبت عندنا).

وذكر البرقي: (أنَّه عليه السَّلام قدم المدينة ليلًا)، وعن جابر: (لما قدم المدينة نحر جزورًا)، كذا في «عمدة القاري».

(فنزل أعلى) وللأصيلي: (في أعلى) (المدينة)، وفي رواية أبي داود: (فنزل في عُلوِّ المدينة)؛ بالضم، وهي العالية (في حيٍّ)؛ بتشديد التحتية، وهي القبيلة، وجمعها أحياء، كذا قاله إمام الشَّارحين، (يقال لهم: بنو عَمرو بن عَوف)؛ بفتح العين المهملة فيهما، وبالفاء في الأخير، (فأقام النبيُّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم فيهم) أي: في بني عمرو (أربع عشرة ليلة)، هذه رواية الأكثرين، وكذا في رواية أبي داود عن شيخه مسدد، وفي رواية أبي ذر وأبي الوقت ونسبها إمام الشَّارحين للمستملي والحمُّوي: (أربعًا وعشرين ليلة)، وعن الزهري: (أقام فيهم بضع عشرة ليلة)، وعن عويمر بن ساعدة: لبث فيهم ثماني عشرة ليلة، ثم خرج، كذا قاله إمام الشَّارحين، (ثم أرسل) أي: النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو في بني عمرو (إلى بني النجَّار)؛ بتشديد الجيم، أبو قبيلة من الأنصار، وبنو النجار هم: بنو تيم اللات بن ثعلبة بن عمرو بن الجموح، والنجار: قبيل كثير من الأنصار منه بطون، وعمائر، وأفخاذ، وقفائل، وتيم اللات: هو النجار، سمي بذلك؛ لأنَّه اختتن بقدُّوم، وقيل: بل ضرب رجلًا بقدُّوم، فجرحه، ذكره الكلبي وأبو عبيدة، وإنما طلب بني النجار؛ لأنَّهم كانوا أخواله عليه السَّلام؛ لأنَّ هاشمًا جده تزوج سلمى بنت عمرو بن زيد من بني عدي بن النجار بالمدينة، فولدت له عبد المطلب، كذا قاله إمام الشَّارحين.

قلت: ولأجل هذا خصَّهم عليه السَّلام بالإرسال عن غيرهم، (فجاؤوا متقلدي السيوف)؛ بالجِّر وحذف نون (متقلِّدين)، وإضافة (المتقلدين) إلى (السيوف)، هكذا في رواية كريمة، وفي رواية الأكثرين: (متقلدين السيوفَ)؛ بنصب السيوف وثبوت النون؛ لعدم الإضافة، وعلى كل حالٍ هو منصوب على الحال من الضمير الذي في (فجاؤوا)، والتقلُّد: جَعْلُ نِجاد السيف على المنكب؛ كذا في «عمدة القاري».

قلت: والمعنى: جاؤوا جاعلين سيوفهم على مناكبهم؛ خوفًا من اليهود، وليروه عليه السَّلام ما أعدُّوه؛ لنصرتهم من شجاعتهم وقوتهم، قال أنس بن مالك: (كأني أنظر إلي النبيِّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم على راحلته)؛ أي: ناقته التي تسمى: القصواء، فإنَّ الرَّاحلة: المركب من الإبل، ذكرًا كان أو أنثى، قاله إمامنا الشَّارح.

قلت: وفي بعض النسخ: (وكأني)؛ بالواو، وفي بعضها: (فكأني)؛ بالفاء، والمعنى: وكأني الآن، فالتشبيه باعتبارين، و (كأنَّ)؛ للتحقيق؛ كقوله: كأن الأرض ليس بها هلال (وأبو بكر)؛ أي: الصديق الأكبر، عبد الله بن أبي قحافة عثمان رضي الله عنهما (ردفه)؛ الجملة اسمية محلها نصب على الحال من (النبي)، أو من فاعل (أنظر)؛ أي: راكب خلفه، فإنَّ الرِّدْف -بكسر الراء وسكون الدال المهملتين-: المرتدف، وهو الذي يركب خلف الراكب، وأردفته أنا: إذا أركبته معك، وذاك الموضع الذي يركبه: رِدَاف، وكل شيء يتبع سببًا؛ فهو ردفه، وكان لأبي بكر ناقة، فلعلَّه تركها في بني عمرو بن عوف؛ لمرض أو غيره، ويجوز أن يكون ردَّها إلى مكة؛ ليحمل عليها أهله، وثَمَّ وجه آخر حسن: وهو أنَّ ناقته كانت معه، ولكنَّه ما ركبها؛ لشرف الإرداف خلفه، فإنَّه تابعه، والخليفة بعده، كذا قاله إمام الشَّارحين.

(ومَلَأ)؛ بفتحتين آخره همزة من غير مد (بني النجار حوله) عليه السَّلام؛ إكرامًا له، وأدبًا معه، وافتخارًا به، والملأ: أشراف القوم ورؤساؤهم، سمُّوا بذلك؛ لأنَّهم ملأى (١) بالرأي والغنى، والملأ: الجماعة، والجمع: أملاء، قال ابن سيده: (وليس الملأ من بني «رهط» وإن كانا اسمين؛ لأنَّ «رهطًا» لا واحد له من لفظه، والملأ: رجل مالئ جليل ملأ العين بجهرته، فهو كالعرب والرَّوَح (٢)، وحكى ملأته على الأمر: املأه، ومالأته كذلك؛ أي: شاورته، وما كان هذا الأمر عن ملأ منَّا؛ أي: عن تشاور واجتماع)، كذا في «عمدة القاري»، والجملة اسمية حالية أيضًا، (حتى ألقى) أي: حتى طرح النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم رحله، فهو مبني للفاعل، ويحتمل للمفعول، كذا زعمه العجلوني.

قلت: وهذا الاحتمال بأنَّه مبني للمفعول غير ظاهر؛ لأنَّ أنسًا أخبر عنه عليه السَّلام بأنَّه ألقى رحله، فيتعين أن يكون مبنيًّا للفاعل، والمفعول محذوف، وهو الرحل، يقال: ألقيت الشيء: إذا طرحته.

(بفِناء) بكسر الفاء مع المد: سعة أمام الدار، والجمع: أفنية، وفي «المجمل» : (فناء الدار: ما امتد من جوانبها)، وفي «المحكم» : (وتبدل الموحدة من الفاء).

(أبي أيوب) أي دار أبي أيوب، واسمه: خالد بن زيد الأنصاري، جعل جبار بن صخر يَنخَسُها برجله، فقال أبو أيوب: يا جبار؛ أَعَنْ منزلي تنخسها؟ أما والذي بعثه بالحق لولا الإسلام؛ لضربتك بالسيف.

قال إمام الشَّارحين: (جبار بن صخر بن أمية بن خنساء السلمي، ويقال: جابر بن صخر الأنصاري، شهد العقبة وبدرًا، وهو صحابي كبير، روى محمد بن إسحاق: عن أبي سعد الخطمي، سمع جابرًا بن عبد الله قال: صليت خلف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنا وجابر بن صخر، فإمامنا خلفه، والصحيح: أنَّ اسمه جبار بن صخر، وذكر محمد بن إسحاق في كتاب «المبتدأ وقصص الأنبياء عليهم السلام» : «أن تُبَّعًا؛ وهو ابن حسان، لمَّا قدم مكة قبل مولده عليه السَّلام بألف عام، وخرج منها إلى يثرب، وكان معه أربع مئة رجل من الحكماء؛ فاجتمعوا وتعاقدوا على ألا يخرجوا منها، فسألهم تُبَّع عن سر ذلك، فقالوا: إنَّا نجد في كتبنا أنَّ نبينا اسمه محمد، هذه دار مهاجره، فنحن نقيم بها لعل أن نلقاه، فأراد تُبَّع الإقامة معهم، ثمَّ بنى لكل واحد من أولئك دارًا، واشترى له جارية، وزوجها منه، وأعطاهم مالًا جزيلًا، وكتب كتابًا فيه إسلامه، وقوله:

شهدت على أحمد أنَّه... رسول من الله بارئ النسم

في أبيات، وختمه بالذهب، ودفعه إلى كبيرهم، وسأله أن يدفعه إلى محمد عليه السَّلام إن أدركه، وإلا؛ من أدركه من ولده، وبنى للنبي عليه السَّلام دارًا ينزلها إذا قدم المدينة، فتداور الدار المُلَّاك إلى أن صارت إلى


(١) في الأصل: (مليء)، وليس بصحيح.
(٢) في الأصل: (كالعزب والزوج)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>