للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

المهملة وفتح الجيم، وعضادتيه: تثنية عِضادة -بكسر العين المهملة، وبالضاد المعجمة المفتوحة- قال أبو عمرو: (هي جانب الحوض)، وقال صاحب «العين» : (أعضاد كل شيء: ما يشدده من حواليه من البناء وغيره مثل عضاد الحوض: وهي صفائح من حجارة يُنصبن على شفيرة، وعضادتا الباب: ما كان عليهما يطبق الباب؛ إذا أصفق)، وقال الأزهري: (عضادتا الباب: الخشبتان المنصوبتان عن يمين الداخل منه وشماله)، زاد القزار: (فوقهما العارضة) انتهى.

قلت: والمعروف: أنَّ العضادة هي التي على يمين الباب، وأخرى عن يساره، يعلوهما قوس يُبنون من الحجارة، فالباب مركب منهما، ولكنَّ ظاهر اللفظ يدلُّ على أنَّهم جعلوا عضادتي المسجد حجارة، وهما حائطان كل واحد منهما بموضع واحد مربع البناء عال يوضع عليهما الأقواس؛ لأجل السقف؛ فافهم.

(وجعلوا ينقلون الصخر)؛ بالمعجمة: الحجارة الكبار، وضمائر الرفع السابقة واللاحقة ههنا ترجع للصحابة رضي الله عنه (وهم يرتجزون)؛ أي: ينشدون أشعار الرجز؛ تنشيطًا لنفوسهم؛ ليسهل عليهم العمل، والرجز: ضَرْبٌ من الشعر، وقد رجز الراجز وارتجزه.

(والنبيُّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم يرتجز معهم) والجملة حالية، وإنَّما كان يفعل ذلك؛ تطييبًا لخاطرهم وتنشيطًا لعملهم (وهو) أي: النبيُّ الأعظم عليه السَّلام (يقول) والجملة أيضًا حالية: (اللهم) أي: يا الله، وقال الكوفيون: (أصله: الله آمنا بخير؛ أي: اقصدنا، فخُفِف، فصار: اللهم، وقال البصريون: (اللهم: دعاء لله بجميع أسمائه؛ لأنَّ الميم تُشعِر بالجمع، كما في «عليهم»).

قلت: وما قاله الكوفيون هو الظاهر؛ لأنَّ أصله عندهم: الله آمنا، فهو دعاء بالخير من الله تعالى، وما زعمه البصريون ليس بشيء؛ لأنَّه ليس فيه ما يدل على أنَّه دعاء بجميع أسماء الله تعالى؛ لأنَّ الميم للتفخيم لا للجمع، كما زعموا، يدل عليه أنَّ أصله: يا الله، فحذفت ياء، وعُوِّض عنها (١) الميم؛ للتفخيم، وليدل على المحذوف؛ فافهم.

(لا خير إلا خير الآخرة)، وفي رواية أبي داود: (اللهم؛ إنَّ الخير خير الآخرة) (فاغفر للأنصار)؛ كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية المستملي والحموي: (فاغفر الأنصار)؛ بحذف اللام، ووجهه: أن يضمن (اغفر) معنى (استر) أو (ارحم)، وفي رواية أبي داود: (فانصر الأنصار)، والأنصار: جمع نصير؛ كـ (الأشراف) : جمع شريف، والنصير والناصر: من نصره الله على عدوه، ينصره نصرًا، والاسم: النصرة، وسموا بذلك؛ لأنَّهم أعانوا النبيَّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم على أعدائه، وشدوا منه، وهم الأوس والخزرج، كذا في «عمدة القاري».

(والمهاجرة) أي: الذين هاجروا من مكة إلى المدينة النبوية؛ محبة فيه عليه السَّلام، وطلبًا للآخرة، والهجرة في الأصل: من الهجر ضد الوصل، وقد هجره هجرًا وهجرانًا، ثمَّ غلب على الخروج من أرض إلى أرض، وترك الأولى للثانية، يقال: منه هاجر مهاجرة، قاله إمام الشَّارحين.

فإن قلت: الشِّعر حرام على النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم بنص القرآن، قال تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس: ٦٩]، فكيف كان ينشد الرجز من الشعر مع أصحابه؟ كما في حديث الباب، وقوله: يوم حنين وغيره:

هل أنتِ إلا إصبع دَمِيت... وفي سبيل الله ما لقيت

وقوله:

أنا النبيُّ لا كذب... أنا ابن عبد المطلب

وما هذا إلا يرد على الآية الكريمة.

قلت: لا يرد على الآية شيء من ذلك، فإنَّ العروضيين (٢) وأهل الأدب اتفقوا على أنَّ الرجز لا يكون شعرًا، وعليه يحمل ما جاء عنه عليه السَّلام من ذلك، كذا أجاب إمامنا الشَّارح.

قلت: ويدل عليه أنَّ الخليل قد أنكر كون الرجز من الشعر، وزعم القرطبي أنَّ الصحيح في الرجز: أنَّه من الشعر، وإنَّما أخرجه من الشعر من أشكل عليه إنشاده عليه السَّلام إياه، فقال: (لو كان شعرًا؛ لما عَلِمَه)، قال: (وهذا ليس بشيء؛ لأنَّ من أنشد القليل من الشعر، أو قاله، أو تمثل به على وجه الندور؛ لم يستحق اسم شاعر، ولا يقال فيه: إنَّه يعلم الشعر ولا ينسب إليه) انتهى.

قلت: وهذا ليس بشيء، فإنَّ من أنشد الشعر ولو قليلًا يقال: إنَّه شاعر يعلم الشعر، وكذلك من قاله، أو تمثل به ولو كان على وجه الندور، فيقال: إنَّه شاعر، ويدلُّ عليه ما قاله الحسن بن أبي الحسن: أنشد عليه السَّلام: «كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيا»، فقال أبو بكر: يا نبي الله؛ إنَّما قال الشاعر:

هريرة ودع إن تجهزت غاديًا... كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا

فقال أبو بكر أو عمر: أشهد أنَّك رسول الله، يقول الله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ}، فهذا يدلُّ على أنَّ إنشاد الشعر ولو قليلًا يقال لمنشده شاعر؛ بدليل أنَّه عليه السَّلام لم يقل ذلك على الوجه الموزون، بل غيره، كما لا يخفى، وأيضًا فإنَّه عليه السَّلام قد أنشد قول طرفة، فقال:

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلًا... ويأتيك من لم تزوده بالأخبار

فقال أبو بكر: يا رسول الله؛ لم يقل هكذا، وإنَّما قال:

. . . . . . . . . . . . . . . ... ويأتيك بالأخبار من لم تزود

فقال: أشهد أنَّك رسول الله، وأنَّك لست بشاعر، ولا تحسنه، وهذا يردُّ أيضًا على من زعم أنَّ البيت الواحد ليس بشعر؛ لأنَّه لو كان كذلك؛ لقاله عليه السَّلام على طبق ما قاله الشاعر، ولم يغيره، فهذا يدلُّ على أنَّ من أنشد الشعر ولو بيتًا واحدًا؛ يقال له: إنَّه شاعر، وقال ابن التين: (لا ينطلق على الرجز شعر، وإنَّما هو كلام مسجع؛ بدليل أنَّه يقال لصانعه: راجز، ولا يقال: شاعر، ويقال: أنشد الرجز، ولا يقال: أنشد شعرًا، وقيل: إنَّما قاله الشَّارع ليس برجز ولا موزون).

واختلف هل يحل له الشعر؟ فعلى القول بنفي الجواز: هل يحكي بيتًا واحدا؟ فقيل: إنه لا يتمه إلا متغيرًا، ويدل عليه


(١) في الأصل: (عنه).
(٢) في الأصل: (العرضيين)، والمثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>