للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أبو أمية المؤدب الأنصاري المصري الفقيه، المتوفى بمصر سنة ثمان وأربعين ومئة، المعروف: بدرة الغواص: (أَنَّ) بفتح الهمزة (بُكَيْرًا)؛ بضمِّ الموحدة، وفتح الكاف، وسكون التحتية: هو ابن عبد الله الأشج المدني، خرج قديمًا إلى مصر فنزل بها (حدثه) وللأصيلي: (أخبره)؛ أي: حدَّث عمرًا: (أَنَّ) بفتح الهمزة (عاصم بن عُمر) بضمِّ العين المهملة (بن قَتادة)؛ بفتح القاف، الأوسي الأنصاري، المتوفى بالمدينة سنة عشرين ومئة (حدثه)؛ أي: حدَّث بكيرًا: (أَنَّه) بفتح الهمزة؛ أي: عاصمًا (سمع عُبيد الله)؛ بضمِّ العين المهملة، مصغَّرًا: هو ابن الأسود الخَوْلاني؛ بفتح المعجمة، وسكون الواو، وبالنون؛ نسبة إلى خولان قبيلة، وهو ربيب ميمونة أم المؤمنين رضي الله عنهما: (أنه سمع عثمان بن عفان)؛ بمنع الأول، وصرف الثاني، وقال في «القاموس» : («عفان» كشدَّاد، اسم ويصرف) انتهى، ولك أن تأخذه من العفِّ، فتمنعه من الصرف، فتأمل.

قال إمام الشَّارحين: وفي هذا الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق واحد، وهم بكير وعاصم وعبيد الله، وفيه ثلاثة من أول الإسناد مصريون، وثلاثة في آخره مدنيون، وفي وسطه مدني سكن مصر؛ وهو بكير، انتهى.

(يقول) : جملة محلها نصب؛ لأنَّها وقعت حالًا من عثمان رضي الله عنه (عند قول الناس فيه)؛ أي: في عثمان رضي الله عنه، وذلك أن بعضهم أنكروا عليه عند تغييره بناء المسجد، وجعله بالحجارة المنقوشة والقصة، وتسقيفه بالساج، ووقع بيان ذلك عند مسلم؛ حيث أخرجه من طريق محمود بن لبيد الأنصاري- وهو من صغار الصحابة- قال: (لمَّا أراد عثمان بناء المسجد؛ كره الناس ذلك، وأحبوا أن يَدَعوه على هيئته)؛ أي: في عهد النبي الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، كذا قاله إمام الشَّارحين.

قلت: وكان ذلك سنة ثلاثين على المشهور، وقيل: في آخر سنة خلافته، ففي كتاب «السر» عن ابن وهب: أخبرني مالك: أنَّ كعب الأحبار كان يقول عند بناء عثمان المسجد: (لوددت أنَّ هذا المسجد لا ينجز، فإنَّه إذا فرغ من بنائه؛ قُتل عثمان)، قال مالك: (فكان كذلك) انتهى.

وجمع ابن حجر بين القولين: بأن الأول كان تاريخ ابتدائه، والثاني كان تاريخ انتهائه. انتهى.

قلت: وفيه نظر؛ لأنَّ المدة بينهما كثيرة، فإن القول الثاني شاذ، وإن أول خلافته كانت سنة ثلاث وعشرين، ووفاته كانت سنة خمس وثلاثين؛ فافهم.

(حين بنى) أي: أمر ببنائه (مسجد الرسول)، كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني والحموي: (مسجد رسول الله)، وفي رواية: (مسجد النبي) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ أي: بنى جداره بحجارة منقوشة وبالقصة، وجعل عمده من حجارة منقوشة، وسقفه بالساج، كما بينته رواية ابن عمر في باب (بنيان المسجد)، كما مر، وكذلك رواية مسلم السابقة.

قال إمام الشَّارحين: (ولم يبن عثمان المسجد إنشاء، وإنما وسَّعه)، وقال البغوي: (لعل الذي كره الصحابة من عثمان بناؤه بالحجارة المنقوشة لا مجرد توسعته) انتهى، قلت: وهو كذلك؛ لأنَّه عليه السَّلام قال: (مسجدي هذا مسجد، ولو مد إلى صنعاء)، كما سيأتي في «الصحيح»، ولأن زخرفة المساجد غير مطلوبة، وروى ابن خزيمة في «صحيحه» عن أنس مرفوعًا: أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «يأتي على النَّاس زمان يتباهون بالمساجد، ثم لا يعمرونها إلا قليلًا»، وروى أبو داود عن أنس أنَّه عليه السَّلام قال: «لا تقوم الساعة حتى يتباهى النَّاس في المساجد»، وأخرجه النسائي وابن ماجه، وروى أبو داود عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «ما أُمرت بتشييد المساجد»، قال ابن عبَّاس: (لتزخرفُنَّها كما زخرفت اليهود والنصارى)، كما قدمناه.

وزعم ابن حجر أنه يؤخذ منه: إطلاق البناء في حق من جدد، كما يطلق في حق من أنشأ، أو المراد بـ (المسجد) هنا: بعض المسجد من إطلاق الكل على البعض، انتهى.

وردَّه إمام الشَّارحين فقال: (ذكر هذا القائل شيئين: الأول: مستغنًى عنه فلا حاجة إلى ذكره، والثاني: لا يصح؛ لأنَّه ذكر في «باب بنيان المسجد» حديث عبد الله بن عمر، وفيه: «ثم غيَّره عثمان، فزاد فيه زيادة كثيرة، وبنى جداره بحجارة منقوشة والقصة، وجعل عمده من حجارة منقوشة، وسقفه بالساج» انتهى، فهذا يدلُّ على أنَّه غيَّر الكل وزاد فيه؛ يعني: في الطول والعرض، وكان المسجد مبنيًّا باللَّبِن، وسقفه الجريد، وعمده خشب النَّخل، وبناه عثمان بالحجارة، وجعل عمده من الحجارة، وسقفه بالساج، فكيف يقول هذا القائل: «أو المراد بالمسجد هنا: بعضه»، فهذا كلام من لم يتأمل ويتصرف من غير وجه) انتهى كلام إمامنا الشَّارح.

وقوله: (إنكم أكثرتم) : مقول لقوله: (يقول) ومفعوله محذوف؛ للعلم به، والتقدير: إنكم أكثرتم الكلام في الإنكار على ما فعلته، (وإني سمعت النبي) الأعظم، ولأبوي ذر والوقت: (رسول الله) (صلَّى الله عليه وسلَّم)، وقوله: (يقول) جملة محلها نصب على الحال أو مفعول ثانٍلـ (سمعت) على القولين المشهورين: (من بنى مسجدًا) التنوين فيه للشيوع، فيتناول من بنى مسجدًا صغيرًا أو كبيرًا، يدل عليه حديث أنس بن مالك أخرجه الترمذي مرفوعًا: «من بنى لله مسجدًا صغيرًا كان أو كبيرًا؛ بنى الله له بيتًا في الجنة»، وروى ابن أبي شيبة حديث الباب عن عثمان من وجه آخر، وزاد فيه: (ولو كمفحص قطاة)، وروى مسلم عن ابن عبَّاس مثله، وزاد فيه: (ولو كمفحص قطاة)، وروى ابن خزيمة عن جابر مرفوعًا: «من حفر ماء لم يشرب منه كبد حي من جن ولا أنسولا طائر إلا آجره الله يوم القيامة، ومن بنى مسجدًا كمفحص قطاة أو أصغر؛ بنى الله له بيتًا في الجنة».

وللعلماء في توجيه هذا قولان؛ فقال أكثرهم: هذا محمول

<<  <   >  >>