للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

صار شرطين.

وقول الخطابي: (فدل على أنَّ العتق كان مشروطًا في البيع)؛ لا دليل له فيه ظاهرًا، والحكم به على جواز البيع بالشرط غير صحيح؛ لأنَّه مخالف لظاهر الحديث الصَّحيح؛ فليحفظ.

السَّابع من الأحكام: ما زعمه الخطابي أيضًا: فيه أنَّه ليس كل شرط يشترط في بيع كان قادحًا في أصله ومفسدًا له، وأن معنى ما وَرَد من النَّهي عن بيع وشرط منصرف إلى بعض البيوع وإلى نوع من الشروط، وقال القاضي عياض: (الشروط المقارنة للبيع ثلاثة أقسام؛ أحدها: أن يكون من مقتضى العقد؛ كالتسليم وجواز التصرف في البيع، وهذا لا خلاف في جواز اشتراطه؛ لأنَّه يقضى به وإن لم يشترط، والثاني: ألا يكون من مقتضاه، لكنها من مصلحته؛ كالحيل، والرهن، واشتراط الخيار، فهذا أيضًا يجوز اشتراطه؛ لأنَّه من مصلحته فأشبه ما كان من مقتضاه، الثالث: أن تكون خارجة عن ذلك مما لا يجوز اشتراطه في العقود، بل يمنع من مقتضى العقد، أو يوقع فيه غررًا (١) أو غير ذلك من الوجوه الممنوعة، وهذا موضع اضطراب العلماء) انتهى.

قال إمام الشَّارحين: وعند أصحابنا الأعلام البيع بالشرط على ثلاثة أوجه:

الأول: البيع والشرط كلاهما جائزان، وهو على ثلاثة أنواع؛ أحدها: أنَّ كل شرط يقتضيه العقد ويلائمه؛ فلا يفسده؛ بأن اشترى أمة بشرط أن تخدمه أو يغشاها، أو دابة بشرط أن يركبها، ونحو ذلك، النوع الثاني: كل شرط لا يقتضيه العقد، ولكنه يلائمه بأن شرط أن يرهنه بالثمن رهنًا وسماه، أو يعطيه كفيلًا وسماه، والكفيل حاضر، فقبله، وكذلك الحوالة؛ جاز ذلك استحسانًا، خلافًا للإمام زفر رحمه الله تعالى، النوع الثالث: كل شرط لا يقتضيه العقد ولا يلائمه، ولكن وَرَد الشرع بجوازه؛ كالخيار والأجل، أو لم يرد الشرع به ولكنه متعارف متعامل بين الناس به؛ بأن اشترى نعلًا على أنْ يحذوه البائع أو قلنسوة بشرط أن يبطنها؛ جاز ذلك استحسانًا، خلافًا للإمام زفر رضي الله عنه.

الوجه الثاني: البيع والشرط (٢) كلاهما فاسدان، وهو كل شرط لا يقتضيه العقد ولا يلائمه وفيه منفعة لأحدهما أو للمعقود عليه؛ بأن اشترى حنطة على أنْ يطحنها البائع، أو عبدًا على ألا يبيعه، وكذا على ألا يعتقه، خلافًا للشافعي فيه، فإن أعتقه ضَمِنَ الثمن استحسانًا عند الإمام الأعظم، وعند الإمامين أبي يوسف ومحمَّد بن الحسن: عليه قيمته.

الوجه الثالث: البيع جائز والشرط باطل، وهو على ثلاثة أنواع؛ الأول: كل شرط لا يقتضيه العقد وليس فيه منفعة، بل فيه مضرة؛ بأن باع ثوبًا أو دابة بشرط ألا يبيعه ولا يهبه، أو طعامًا بشرط ألا يأكل منه ولا يبيعه (٣)؛ جاز البيع وبطل الشرط، الثاني: كل شرط لا يقتضيه العقد، وليس فيه منفعة ولا مضرة لأحد؛ بأن باع طعامًا بشرط أن يأكله؛ جاز البيع وبطل الشرط، الثالث: كل شرط يوجب منفعة لغير المتعاقدين والمبيع؛ نحو: البيع بشرط أن يقرض أجنبيًّا؛ لا يفسد البيع، انتهى.

الثامن من الأحكام: ما زعمه الخطابي: فيه دليل على أنَّه لا ولاء لمن أسلم على يديه ولا لمن حالف إنسانًا على المناصرة، وقال الشيخ تقي الدين: فيه حصر الولاء للمعتق فيقتضي ذلك أن لا ولاء بالحلف والموالاة، وبإسلام الرجل على يدي الرجل، ولا بالتقاطه للقيط، وكل هذه الصور فيها خلاف بين الفقهاء، ومذهب الشَّافعي: لا ولاء في شيء منها؛ للحديث، انتهى.

قال إمام الشَّارحين: الولاء عند أصحابنا الأعلام نوعان؛ أحدهما: ولاء العتاقة، والآخر: ولاء الموالاة، وقد كانت العرب تتناصر بأشياء؛ بالقرابة، والصداقة، والحلف، والمؤاخاة، والعصبة، وولاء العتاقة، وولاء الموالاة، وقد قرر النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم تناصرهم بالولاء بنوعيه؛ وهما: العتاقة وولاء الموالاة، وقال عليه السَّلام: «إنَّ مولى القوم منهم وحليفهم منهم»، رواه أربعة من الصَّحابةرضي الله عنهم، فالإمام أحمد ابن حنبل في «مسنده» من حديث إسماعيل بن عبيد بن رفاعة بن رافع الزرقي، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مولى القوم منهم، وابن أختهم منهم، وحليفهم منهم»، والبزار في «سننه» من حديث أبي هريرة عن النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم قال: «حليف القوم منهم، وابن أختهم منهم»، والدارمي في «مسنده» من حديث عمرو بن عوف: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ابن أخت القوم منهم، وحليف القوم منهم»، والطَّبراني في «معجمه» من حديث عتبة بن غزوان عن النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم؛ نحوه، والمراد بالحليف: مولى الموالاة (٤)؛ لأنَّهم كانوا يؤكدون الموالاة (٥) بالحلف، انتهى.

قلت: وهذه الأحاديث صحيحة الأسانيد، وهي حجة على الشَّافعي وغيره ممن (٦) منع ذلك؛ فافهم.

التاسع من الأحكام: ما قاله إمامنا الشَّارح: فيه أنَّه يستحب للإمام عند وقوع بدعة أن يخطب الناس، ويبين لهم حكم ذلك وينكر عليهم، كما فعل النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم.

العاشر من الأحكام: فيه أنَّه يستحب للإمام أن يحسن العشرة مع رعيته، ألا ترى أنَّه عليه السَّلام لما خطب الناس؛ لم يواجه صاحب الشرط بعينه؛ لأنَّ المقصود يحصل له ولغيره بدون فضيحة وشهرة عليه.

الحادي عشر: فيه المبالغة في إزالة المنكر والتغليظ في تقبيحه.

الثاني عشر: فيه جواز كتابة الأمَة دون زوجها.

الثالث عشر: فيه أنَّ زوج (٧) الأمة ليس له منعها من السعي في كتابتها.

وقال أبو عمرو: لو استدل من هذا المعنى بأن الزوجة ليس عليها خدمة زوجها؛ كان حسنًا، انتهى، قلت: ليس هذا بحسن أصلًا، فإن الحسن ما استحسنه الشَّارع، وقد فرض الخدمة داخل الدار على الزوجة، وخارج الدار على الزوج، وهو حكمة بالغة من الشَّارع وحس عظيم؛ فافهم.

الرابع عشر: فيه دليل على أنَّ العبد زوج الأمة ليس له منعها من الكتابة التي تؤول إلى عتقها، وفراقها له، كما أنَّ لسيد الأمة عتق أمته تحت العبد وإن أدى ذلك إلى إبطال نكاحه، وكذلك له أن يبيعها من زوجها الحر وإن كان في ذلك بطلان عقده.

الخامس عشر: فيه دليل على أنَّ بيع الأمة ذات الزوج ليس بطلاق لها؛ لأنَّ العلماء قد اجتمعوا -ولم يُختلف في تلك الأحاديث أيضًا-: أن بريرة كانت حين اشترتها عائشة ذات زوج، وإنما اختلفوا في زوجها هل كان حرًّا أو عبدًا؟ وقد أجمع علماء المسلمين على أنَّ الأمة إذا أُعتقَتْ وزوجها عبد أنَّها تُخير، واختلفوا إن كان زوجها حرًّا هل تخير أم لا؟

السَّادس عشر: فيه دليل على جواز أخذ السيد نجوم المكاتب من مسألة الناس؛ لترك النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم زجرها عن مسألة عائشة؛ لأنَّها كانت تستعينها في أداء نجمها، وهذا يرد قول من كره كتابة المكاتب الذي يسأل الناس، وقال: يطعمني أوساخ الناس.

السَّابع عشر: فيه دليل على جواز نكاح العبد الحرة؛ لأنَّها إذا خيرت فاختارته؛ بقيت معه وهو عبد وهي حرة.


(١) في الأصل: (غرورًا)، وليس بصحيح.
(٢) في الأصل: (والشراء)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٣) في الأصل: (يبيع)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٤) في الأصل: (المولاة)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٥) في الأصل: (المولاة)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٦) في الأصل: (مما)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٧) في الأصل: (الزوج).

<<  <   >  >>