للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

(ووضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى)؛ يعني: أنَّه بعدما شبَّك بين أصابعه؛ وضع بطن يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى، وهذا بيان وإيضاح للوضع الأول فلا تكرار كما توهمه العجلوني؛ لأنَّ قوله: (ووضع يده اليمنى على اليسرى) صادق بوضع الأصابع، ثم إنَّه شبك بينها، ثم وضع بطن اليمنى على ظهر اليسرى.

قال إمام الشَّارحين: (يحتمل أن يكون هذا الوضع حال التشبيك، وأن يكون بعد زواله وعند الكشميهني: «وضع خده الأيمن» بدل «يده اليمنى») انتهى، ومثله في الكرماني.

قلت: وعلى هذه الرواية أنَّه لما فرغ من التشبيك؛ وضع خده الأيمن على ظهر كفه اليسرى، واليمنى ليس لها وضع أو هي موضوعة وحدها، فيكون الوضع الأول حال التشبيك، والوضع الثاني -وهو وضع خده الأيمن- بعد زواله وبهذا تعلم ما في عبارة العجلوني من الخفاء وعدم ظهور المراد؛ فافهم.

(وخرجت السرعانُ من أبواب المسجد)؛ أي: النَّبوي؛ أي: من أبواب الداخل منه وهو الحرم، لا الخارج عنه وهو البراني الذي أبوابه على الطريق؛ فافهم، وسرعان الناس؛ بالتحريك: أوائلهم، ويقال: أخفَّاؤهم والمستعجلون منهم الذين يتسارعون إلى الخروج من المسجد ولا يلبثون فيه للذكر بعد الصلاة، ويلزم الإعراب نونه في كل وجه؛ أي: فهو برفع النُّون فاعل، وهذا هو الصَّواب الذي قاله الجمهور من أهل الحديث واللُّغة وكذا ضبطه المتقنون، وقال ابن الأثير: السَّرَعان؛ بفتح السين والرَّاء المهملتين: أوائل الناس الذين يتسارعون إلى الشيء ويقبلون عليه بسرعة، ويجوز تسكين الرَّاء).

قلت: وكذا نقله القاضي عياض عن بعضهم، قال: وضبطه الأصيلي في «البخاري» : بِضَمِّ السين وإسكان الرَّاء، ووجهه: أنَّه جمع سريع؛ كقفيز وقفزان، وكثيب وكثبان، ومن قال: سِرَعان بكسر السين؛ فهو خطأ، ويقال أيضًا: سِرْعان؛ بكسر السين وسكون الرَّاء، وهو جمع سريع؛ كرعيل ورعلان، وأمَّا قولهم: سرْعانَ ما فعلت؛ ففيه ثلاث لغات: الضم والكسر والفتح، مع إسكان الرَّاء، والنُّون مفتوحة أبدًا، كذا قرره إمام الشارحين.

قلت: وما ذكره من أنَّ (سرْعانَ) فيه ثلاث لغات قد تبعه عليه صاحب «التنقيح» وغيره.

واعترضه الدماميني بأنَّ هذا في (سرْعانَ) اسم الفعل، وهي مبنية على الفتح دائمًا، لكنه عبر عنه بالنصب، وأمَّا هنا؛ فهو (سريع) معرب فنقل اللَّفظ في غير محله، انتهى.

قلت: واعتراض الدماميني متوجه على صاحب «التنقيح» ومن حذا حذوه، وأمَّا إمام الشَّارحين؛ فلم يخف عليه ذلك؛ حيث قال: (وأمَّا قولهم..) إلى آخره؛ فهذا كما رأيت يدل على أنَّه خارج عما هنا، ألا ترى إلى قوله في أول عبارته: (ويلزم الإعراب نونه...) إلى آخره؛ أي: فهو معرب، فلله دره من إمام، وحقيق بأن يقال له: إمام الشَّارحين؛ فافهم.

(فقالوا)؛ أي: السرعان؛ تعجبًا من صلاته عليه السَّلام الظُّهر أوالعصر ركعتين، وسلم منها، وكان في مسجده غير مسافر: (قُصِرت الصلاة؟)؛ بِضَمِّ القاف وكسر الصَّاد المهملة على البناء للمفعول، وفي رواية: بفتح القاف وضم الصَّاد المهملة على البناء للفاعل؛ أي: خفَّت وقلَّت ركعاتها؛ لأنَّه من القصر، وهو القلة من الكثرة، والمراد به: التخفيف.

قال المنذري: (الأَولى: البناء للمفعول؛ لقوله: «لم تُقْصَر»؛ للبناء له، ولا خلاف فيه، فكذا الأول).

واعترضه الدماميني، فقال: (وبهذا الترجيح نظر)، ولم يذكر وجهه.

قلت: ولعل وجهه أنَّه لا يلزم من كون قوله: «لم تقصر» بالبناء للمفعول بلا خلاف أن يكون قوله: (قصرت) بالبناء للمفعول أولى من البناء للفاعل مع أنَّهما روايتان؛ الأولى رواية الأكثرين، والثانية رواية البعض، ولم يعزها إمام الشَّارحين ولا غيره لأحد من الرواة، بل قال: (ويروى) وهو كافٍ؛ فافهم.

واللَّام في (الصلاة) للعهد؛ أي: المعهودة للمقيم، وهي الأربع، وكأنَّهم ظنوا نزول الوحي أو حدوث شيء يوجب قصر الصلاة، وسؤالهم إنَّما كان لبعضهم بعضًا أو للقوم الحاضرين في المسجد الذين لم يسرعوا في الخروج.

(وفي القوم أبو بكر) أي: الصديق الأكبر (وعمر) أي: ابن الخطاب رضي الله عنهما، والجملة حالية (فهاباه)؛ بضمير منصوب، ويروى بدونه لكنه مقدر، وهو عائد إلى النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، وضمير التثنية المرفوع يعود لأبي بكر وعمر، وهو من الهيبة؛ وهو الخوف والإجلال، وقد هابه يهابه، والأمر منه: هَبْ؛ بفتح الهاء، انتهى، (أن يكلماه)؛ أي: خاف أبو بكر وعمر أن يسألا النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم عن صلاته ركعتين في الفرض الرُّباعي؛ لما علما منه الغضب؛ لأنَّه انصرف من الصلاة كأنَّه غضبان أو إجلالًا له؛ لاحتمال نزول أمر عليه، فخافا السآمة، فلم يكلماه بذلك، وكلمة (أن) : مصدرية، والتقدير من التكليم.

وقوله: (وفي القوم رجل) : جملة اسمية وقعت حالًا (في يديه) بالتثنية (طول يُقال) بِضَمِّ التحتية أوله (له) أي: لذلك الرجل: (ذو اليدين)، والجملتان صفتان لرجل، أو الثانية حالية أو مستأنفة.

وفي رواية الإمام الحافظ أبي جعفر الطَّحاوي: (فقام رجل طويل اليدين، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سماه: ذا اليدين)، وفي رواية: (رجل من بني سليم)، وفي رواية: (رجل يقال له: الخرباق بن عمرو، وكان في يده طول)، وفي رواية: (كان رجل بسيط اليدين)، وقع ذلك في رواية الطَّحاوي في حديث عمران بن حصين: (أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى بهم الظُّهر ثلاث ركعات ثم سلَّم وانصرف، فقال له الخرباق: يا رسول الله؛ إنَّك صلَّيت ثلاثًا، قال: فجاء فصلَّى ركعة، ثم سلَّم، ثم سجد سجدتين للسهو، ثم سلَّم)، وأخرجه أحمد أيضًا في «مسنده»، والطَّبراني في «الكبير».

وخِرباق -بكسر الخاء المعجمة- ابن عبد عمرو السلمي، وهو الذي يقال له: ذو اليدين، وذو الشمالين أيضًا، وكلاهما لقب عليه.

وقال السمعاني: (ذو اليدين، ويقال له: ذو الشمالين؛ لأنَّه كان يعمل بيديه جميعًا).

وقال ابن حبان في «الثقات» : ذو اليدين -ويقال له: ذو الشمالين أيضًا- ابن عبد عمرو بن نضلة الخزاعي.

وقال أبو عبد الله العدني في «مسنده» : قال أبو محمَّد الخزاعي: ذو اليدين أحد أجدادنا، وهو ذو الشمالين، ابن عبد عمرو بن ثور بن ملكان بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر.

وقال ابن أبي شيبة في «مصنفه» : حدَّثنا ابن فضيل، عن حصين، عن عكرمة قال: (صلَّى النَّبي عليه السَّلام بالناس ثلاث ركعات، ثم انصرف، فقال له بعض القوم: حدث في الصلاة شيء؟ قال: «وما ذاك؟»، قالوا: لم تصل إلا ثلاث ركعات، فقال: «أكذلك يا ذا اليدين؟»، وكان يسمى: ذا الشِّمالين، فقال: نعم؛ فصلَّى ركعة وسجد سجدتين).

وقال ابن الأثير: (ذو اليدين: اسمه الخِرباق، من بني سليم، كان ينزل بذي خشب من ناحية المدينة، وليس هو ذا الشمالين، خزاعي حليف لبني زهرة، قتل يوم بدر، وإنَّ قصة ذي الشمالين كانت قبل بدر، ثم أحكمت الأمور بعد ذلك).

وقال القاضي عياض في «شرح مسلم» : وأمَّا حديث ذي اليدين؛ فقد ذكر مسلم في حديث عمران بن الحصين: (أنَّ اسمه الخرباق، وكان في يديه طول)، وفي الرواية الأخرى: (بسيط اليدين)، وفي حديث أبي هريرة: (رجل من بني سليم)، ووقع للعذري: (سلم)، وهو خطأ، وقد جاء في حديث عبيد بن عُمَيْر مفسرًا، فقال فيه: (ذو اليدين أخو بني سليم)، وفي رواية الزهري: (ذو الشمالين رجل من بني زهرة)، وبسبب هذه الكلمة ذهب الحنفيون إلى أنَّ حديث ذي اليدين منسوخ بحديث ابن مسعود، قال: لأنَّ ذا الشمالين قتل يوم بدر فيما ذكره أهل السير، وهو من بني سليم؛ فهو ذو اليدين المذكور في الحديث، وهذا لا يصح لهم إن كان قتل ذو الشمالين يوم بدر، فليس هو الخِرباق، وهو رجل آخر حليف لبني زهرة، واسمه عُمَيْر بن عبد عمرو

<<  <   >  >>