للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

إسحاق) هو عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي التَّابعي، تقدَّما في كتاب (العلم)، (عن عَمرو) بفتح العين (بن مَيْمُون)؛ بفتح الميم الأولى، وضم الثانية، بينهما تحتية ساكنة: هو أبو عبد الله الأَوْدِي -بفتح الهمزة وبالدَّال المهملة- الكوفي، أدرك زمن النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم ولم يَلْقَه، وحج مئة حجة وعمرة، وأدَّى صدقته إلى عمال رسول الله عليه السَّلام، وهو الذي رأى قردة زنت في الجاهلية فاجتمعت عليها القردة ورجموها، توفي سنة خمس وسبعين، أفاده شارحنا في باب (إذا ألقي على ظهر المصلي قذر)، قلت: وعلى هذا فهو تابعي مخضرم، وهو غير عمرو بن ميمون المخزومي؛ فافهم، (عن عبد الله) هو ابن مسعود، الصَّحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة، وكان قصيرًا دقيق الساقين، وكان الريح يأخذه حين يمشي، فرآه بعض الصَّحابة فتبسم، فقال له النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم: «لَسَاق عبد الله بن مسعود في الميزان أثقل من أحُد»، وإنما أطلقه البخاري ولم ينسبه لأبيه؛ لأنَّه المراد عند الإطلاق، كما أنَّه إذا أُطلِق الإمام الأعظم؛ فالمراد به: أبو حنيفة النعمان الكوفي التَّابعي رأس المجتهدين وسيدهم؛ فافهم، (قال: بينما)؛ بالميم ظرف مضاف إلى الجملة بعده، والعامل فيه معنى المفاجأة التي في (إذ قال قائل)، ولا يجوز أن تعمل فيه (يصلي)؛ لأنَّه حال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المضاف إليه (بين)، فلا يعمل فيه.

وزعم العجلوني (بينما) بالميم الكافة لـ (بين) عن الإضافة، انتهى.

قلت: فيه نظر؛ لأنَّ (بينا) بالألف كـ (بينما) بالميم مكفوفان عن الإضافة إلى المفرد ومضافان إلى الجملة، وهو مذهب الجمهور، وذهب قوم إلى أن (ما) والألف كافتان عن الإضافة، والجملة بعدهما لا محل لها من الإعراب، وذهب آخرون إلى أن الألف لا تكف عن الإضافة إلى الجملة، بخلاف (ما)، والصَّحيح الأول، أفاده السيوطي في «همع الهوامع»، إذا علمت هذا؛ ظهر لك فساد ما زعمه العجلوني من وجوه لا نطيل بذكرها؛ فافهم.

(رسول الله صلى الله عليه وسلم) : مبتدأ خبره قوله: (قائم) حال كونه (يصلي)؛ أي: منفردًا ليس معه أحد من أصحابه، ويحتمل أنها الضُّحى، أو نفلًا محضًا، أو ركعتي الطواف، ويدل عليه قوله: (عند الكعبة)؛ أي: البيت الحرام؛ أي: مقابل الكعبة (وجمعُ قُرَيْش)، وفي (الفرع) : (وجمعٌ من قُرَيْش)؛ بِضَمِّ القاف، وفتح الرَّاء، وسكون التحتية، مصغر قرش، وتصغيره للتعظيم، المراد بهم الأربعة المذكورون قريبًا؛ يعني: المراد الكفار منهم، فهو عام أريد به الخصوص بقرينة القصة، لا يقال: كيف جاز الدعاء على كل قريش وكان فيهم مسلمون كالصديق الأكبر رضي الله عنه وغيره؛ لأنَّا نقول: اللَّفظ لا عموم له، ومراده بالكفار منهم، ففيه: أن لفظ (قريش) موضوع لهذه القبيلة على العموم؛ فتأمل، (في مجالسهم) : جمع مجلس، و (قريش) : مأخوذ من التقرش؛ وهو التجمع لاجتماعهم بعد افتراقهم، وقيل: من القرش؛ وهو الكسب؛ لأنَّهم كانوا تجارًا، وقد سأل سيدنا الإمام معاوية الكبير خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم على التحقيق سيدنا عبد الله بن عبَّاس حبر هذه الأمة وترجمان القرآن لم سميت قريش؟ فقال: سميت بدابة في البحر يقال لها: القرش، تأكل ولا تؤكل، وتعلو ولا يعلى عليها.

وأجمعوا على أنَّه إذا أريد به الحي؛ صرف، وإن أريد به القبيلة؛ منع من الصرف، كما في سائر أسماء القبائل، فقريش: هم بنو النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، فكل من كان من ولد النضر؛ فهو قرشي دون بني كنانة ومن فوقه، وربما قالوا: قرشي (١)، وقيل: قريش: بنو فهر بن مالك بن النضر، فمن لم يلده؛ فهو ليسبقرشي، والأصح الأول، قال تبع:

وقريش هي التي تسكن البحر... بها سميت قريش قريشا

تأكل الغث والسمين ولا تترك (٢) ... فيها لذي جناحين ريشا

هكذا في البلاد حي قريش... يأكلون البلاد أكلًا كميشا

ولهم آخر الزمان نبي يكثر... القتل فيهم والخموشا (٣)

وتمامه في شرحنا على «الأزهرية» عند إعراب قوله تعالى: {لإِيلَافِ قُرَيْشٍ} [قريش: ١].

(إذ قال قائل منهم) هو أبو جهل كما صرح به مسلم في روايته، وقدمنا أن ما في (إذ) من معنى المفاجأة هو العامل في (بينما)، ولا يصح أن يعمل فيه (يصلي)؛ لأنَّه حال من رسول الله صلى الله عليه وسلم المضاف إليه (بين)، فلا يعمل فيه، وهذا ما ذكره إمام الشَّارحين والكرماني، وتبعهما البرماوي.

ونظر فيه العجلوني بأن (ما) كافة لها عن الإضافة إلى المفرد، وزعم ابن حجر أن الظَّاهر: أن المضاف إليه (بين) هو الجملة الاسمية، و (ما) زائدة على كل حال، انتهى.

قلت: قد نقلنا عن «الهمع» آنفًا أن (بينا) و (بينما) يضافان إلى الجملة عند الجمهور، وهو الأصح، فما زعمه العجلوني وابن حجر مبني على القول الشاذ، فلا يعول عليه؛ فافهم، وتمامه في «إيضاح المرام فيما وقع في الفتح من الأوهام».

(أَلا تنظرون)؛ بفتح الهمزة، أداة استفتاح مراد بها التنبيه (إلى هذا المرائي) : اسم فاعل من الرياء؛ وهو التعبد في الملأ دون الخلوة؛ ليراه الناس، وهذه الجملة والتي بعدها مقول القول، والذي قال هذا هو أبو جهل، كما صرح به مسلم من رواية زكريا، وزاد فيه: (وقد نُحِرَت جزور بالأمس) (أيُّكم) بتشديد التحتية استفهامية (يقوم إلى جَزُور)؛ بفتح الجيم وضم الزاي، من الإبل يقع على الذكر والأنثى، وهي تؤنث، والجمع: الجزر، يقال: جزرت الجزور أجزُرها؛ بالضم، واجتزرتها؛ إذا نحرتها، قاله إمامنا الشَّارح هناك.

وزعم ابن حجر أن الجزور ما يجزر؛ أي: يقطع، وردَّه شارحنا في «عمدة القاري»، فقال: (لا يدرى من أيِّ موضع نقله؟) واعترضه العجلوني فزعم أنَّه نقله من كتب اللُّغة، ففي «الصِّحاح» : جزرت الجزور أجزُرها؛ بالضم، واجتزرتها؛ إذا نحرتها، وفي «المحكم» : الجزور: الناقة المجزورة، والجمع: الجزائر، وفي «القاموس» : الجزور: البعير، أو خاص بالناقة المجزورة، انتهى.

قلت: هذا مبلغه من العلم، وما زعمه مردود عليه، فإنَّه لم يصرح أحد من أئمة اللُّغة أن معناه القطع، كما زعمه ابن حجر، فظهر أنَّه تفسير من عنده لا مستند له فيه ولا يعول عليه، بل ما ذكر من هذه النقول يشهد لما قاله إمامنا الشَّارح، فهذا دليل له لا عليه؛ فانظر التعصب البارد من ذي الذهن الشارد، وتمامه في «إيضاح المرام»؛ فافهم.

(آل فلانٍ) بالتنوين، اسم مبهم لقبيلة من قبائل العرب لم تعرف أسماؤهم، قاله الشَّارح، وزعم ابن حجر يشبه أن يكونوا آل أبي معيط؛ لمبادرة عقبة بن أبي معيط إلى إحضار ما طلبوه منه، انتهى.

قلت: هذا رجم بالغيب؛ لأنَّه ليس له دليل، والدعوى بدون برهان لا تسمع، ومبادرة عقبة لذلك لا يدل على ما زعمه؛ لأنَّه لا يلزم من مبادرته أن يكون الجزور لآل أبي معيط، وإنما كان المبادر لأجل أن يفوز بهذه الشقاوة حتى يرضي أبا جهل، ويكون عنده مقدمًا مقربًا، على أنَّه قد اختلف في الذي بادر؛ فقيل: إنَّه أبو جهل نفسه؛ لقوله في الحديث: «فانبعث أشقاهم»، ولا ريب أنَّه أشقاهم، كما سيأتي؛ فافهم.

(فيَعمِدُ) بالرفع عطف على (يقوم)، ويروى بالنصب؛ لأنَّه وقع بعد الاستفهام، قاله إمامنا الشَّارح، وهو بفتح التحتية وكسر الميم،


(١) زيد في الأصل: (وهو العباس)، ولعل الصواب حذفه.
(٢) في الأصل: (تزل)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٣) في الأصل: (والحمق بشا)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>