للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أعلم منهم، كما في قولك: الله أكبر؛ أي: من كل شيء، (فقال) موسى: (أنا أعلم) الناس؛ أي: فيما ظهر لي، واقتضاه شاهد الحال أو دلالة النبوة، وهذا أبلغ من الرواية السابقة، هل تعلم أن أحدًا أعلم منك؟ فقال: لا، فإنه إنَّما نفى هناك علمه، وهنا على البت.

(فعتب الله عليه)؛ أي: لم يرض قوله شرعًا، وعن أُبي قال: (أعجب موسى بعلمه فعاتبه الله بما لقي من الخضر)، وهو من باب التنبيه لموسى والتعليم لمن بعده لئلا يقتدي به غيره في تزكية نفسه، والعجب بحالها فيهلك، (إذ)؛ بسكون الذال للتعليل، (لم يُرد)؛ بضم الدال اتباعًا لضمة الراء، والفتح للخفة، والكسر على الأصل من أن الساكن إذا حرك يحرك بالكسر، ويجوز فك الإدغام أيضًا.

(العلم)؛ بالنصب مفعول (يرد)، (إليه)، وفي رواية: (إلى الله تعالى) فكان ينبغي أن يقول: الله أعلم، وقالت الملائكة: {لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة: ٣٢]، وسئل النبي الأعظم عليه السلام عن الروح وغيره فقال: لا أدري حتى أسأل الله عز وجل، والعتب؛ بمعنى: المؤاخذة وتغير النفس وهما في حق الله تعالى محال فيراد به: لم يرض قوله شرعًا.

(فأوحى الله) تعالى (إليه)؛ أي: إلى موسى، (أن)؛ بفتح الهمزة؛ أي: بأن، (عبدًا)؛ أي: الخضر، وفي رواية: بكسر الهمزة على تقدير فقال إن عبدًا، (من عبادي) محله النصب صفة عبدًا، (بمجمع البحرين) : الجار والمجرور متعلق بمحذوف تقديره: كائنًا بمجمع البحرين؛ أي: ملتقى بحري فارس والروم مما يلي المشرق، وقال أبي بن كعب: إنه بإفريقية وقيل: بطنجة، كما بسطه في «عمدة القاري».

(هو)؛ أي: العبد المسمى: بالخضر، (أعلم منك) جملة اسمية محلها رفع خبر (إن)؛ أي: بشيء مخصوص، كما يدل عليه قول الخضر الآتي: إنِّي على علم من علم الله علمنيه، لا تعلمه أنت، وأنت على علم علمك الله لا أعلمه، ولا شك أن موسى أفضل من الخضر بما اختص به من الرسالة، وسماع الكلام، والتوراة، وأن أنبياء بني إسرائيل كلهم داخلون تحت شريعته ومخاطبون بحكم نبوته حتى عيسى عليه السلام، وغاية الخضر أن يكون كواحد من أنبياء بني إسرائيل وموسى أفضلهم، وإن قلنا: إن الخضر ليس بنبي؛ بل ولي، فالنبي أفضل من الولي وهو أمر مقطوع به، والقائل بخلافه كافر بالإجماع؛ لأنَّه معلوم من الشرع بالضرورة.

(قال رب) أصله: يا رب، فحذف حرف النداء، وياء المتكلم للتخفيف اكتفاء بالكسرة، وفي رواية: (يا رب)، (وكيف لي به) بالواو، وفي رواية: بالفاء؛ أي: كيف الالتقاء لي بذلك العبد، و (لي) : في محل رفع خبر مبتدأ محذوف وهو الالتقاء المقدر، و (كيف) وقع حالًا، والتقدير: على أيِّ حالة الالتقاء وبه يتعلق بالمقدر، والفاء على الرواية الثانية زائدة، والفاء في قوله: (فقيل) عاطفة، (له: احمل) أمر وفاعله مستتر.

(حوتًا) : مفعوله والجملة مقول القول، (في مِكَتل)؛ بكسر الميم وفتح الفوقية شبه الزنبيل يسع خمسة عشر صاعًا كما في «العباب» وهو في محل نصب صفة لـ (حوتًا)؛ أي: حوتًا كائنا في مكتل، (فإذا) للشرط، (فَقَدته)؛ بفتح الفاء والقاف؛ أي: الحوت جملة فعل الشرط، (فهو ثَمَّ)؛ بفتح المثلثة ظرف؛ بمعنى: هناك جملة وقعت جواب الشرط فلذا دخلته الفاء؛ أي: العبد الأعلم منك هناك، (فانطلق) : موسى، (وانطلق معه بفتاه) : التصريح بالمعية للتأكيد وإلا فالمصاحبة مستفادة من الباء في (بفتاه)، وفي رواية: بإسقاط لفظ (معه).

(يُوشَع)؛ بضم التحتية وفتح المعجمة، مجرور بالفتحة عطف بيان لـ (فتاه) غير منصرف؛ للعلمية والعجمة، (ابن نون) : مجرور بالإضافة منصرف كنوح ولوط على الأفصح، وهو من أولاد يوسف بن يعقوب عليه السلام وكان يخدمه، وقيل: يأخذ عنه العلم، (وحملا حوتًا في مكتل)، كما وقع الأمر به وقد قيل: كانت السمكة مشوية مملوحة وقيل شق سمكة.

(حتى) للغاية، (كانا عند الصخرة) الحجر الكبير التي دون نهر الزيت بالمغرب الموعود بلقي الخضر عنده، (وضعا رؤوسهما) على الصخرة، (وناما)، وفي رواية: (فناما) بالفاء وكلاهما للعطف على (وضعا)، وفيه غاية التواضع لله تعالى، (فانسلَّ الحوت) المشوي المملوح، (من المكتل)؛ لأنَّه أصاب الحوت من ماء عين الحياة التي في أصل الصخرة لا يصيب مائها لشيء إلا حييى، فتحرك الحوت وانسلَّ من المكتل فدخل البحر، كذا في طريق للمؤلف.

(فاتخذ سبيله)؛ أي: طريقه، (في البحر سربًا)؛ أي: مسلكًا؛ بالنصب على المصدرية أو المفعولية وفي رواية: عند المؤلف: (فأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق)، (وكان) إحياء الحوت المملوح وإمساك جرية الماء حتى صار مسلكًا، (لموسى وفتاه عجبًا)؛ بالنصب خبر كان، وجاء عند المؤلف: (فكان للحوت سربًا ولموسى عجبًا)؛ فيجوز أن يكون من قول يوشع ومن قول موسى ثم قال موسى: (عجبت من هذا عجبًا)، فيحسن على هذا الوقف على البحر ويتبدى عجبًا، كذا قاله الزجاج، وقال غيره: يجوز أن يكون إخبارًا من الله تعالى؛ أي: اتخذ موسى طريق الحوت في البحر عجبًا، كذا في «عمدة القاري».

(فانطلقا بقيةً)؛ بالنصب على الظرفية، (ليلتِهما)؛ بالجر على الإضافة، (ويومِهما)؛ بالجر عطفًا على ليلتهما والنصب على إرادة سير جميع اليوم، وعند المؤلف في «التفسير» و «مسلم» : (فانطلقا بقية يومهما وليلتهما)، قال القاضي: وهو الصواب لقوله: (فلما أصبح) ولا يقال: أصبح إلا عن ليل، وفي رواية: (حتى إذا كان من الغد)، وما زعمه ابن حجر رده في «عمدة القاري».

(قال موسى) : جواب (لما)، (لفتاه آتنا غدَائَنا)؛ بفتح الغين مع المد، الطعام يؤكل أول النهار؛ بالنصب على المفعولية، واللام في (لقد) للتأكيد وقد للتحقيق، (لقينا من سفرنا هذا نصَبًا)؛ بفتح النون والصاد، بالنصب مفعول (لقينا)؛ أي: تعبًا، والإشارة لسير البقية والذي يليها ويدل عليه قوله: (ولم يجد موسى) عليه السلام، (مسًّا)، وفي رواية: (شيئًا) بالنصب مفعول (تجد) (من النصب) : في محل نصب صفة (مسًّا)؛ أي: مساء حاصلًا أو واقعًا من النصب؛ أي: التعب.

(حتى) : للغاية؛ أي: إلى أن، (جاوز المكان الذي أمر به)؛ أي: أمره الله بلقي الخضر فألقى عليه الجوع والنصب، (فقال)، وفي رواية: (قال)، (له فتاهُ)؛ بالرفع فاعل (قال) : (أرأيت)؛ أي: أخبرني ما دهاني، (إذ) : ظرف بمعنى: حين، (أوينا)؛ أي: رقدنا، (إلى الصخرة) عندها، (فإني نسيت الحوت)؛ أي: فقدته أو نسيت ذكره بما رأيت و (الفاء) : تفسيرية زاد في رواية: (وما أنسانيه)؛ أي: وما أنساني ذكره إلا الشيطان، وإنما نسبه للشيطان هضمًا لنفسه.

(قال موسى ذلك) : مبتدأ؛ أي: فقدان الحوت، (ما) : موصولة (كنا نبغي) : خبر المبتدأ والعائد محذوف؛ أي: نبغيه؛ أي: نطلب؛ لأنَّه علاه وجدان المقصود ويجوز حذف الياء من (نبغي) للتخفيف وبها قرئ، (فارتدَّا) : رجعا (على آثارهما) : في الطريق الذي جاءا فيه يقصَّان، (قصصًا) فهو منصوب على المصدرية؛ أي: يتبعان آثارهما اتباعًا، (فلما أتيا إلى الصخرة)، وفي نسخة: (انتهيا) زاد مسلم: (فأراه مكان الحوت، فقال: ههنا وصف لي) وإلى هنا انتهى كلام يوشع؛ فافهم.

(إذا) : للمفاجأة، (رجل) : مبتدأ تخصص بالصفة وهي قوله: (مسجًّى)؛ أي: مغطًّى، (بثوب) والخبر محذوف؛ أي: نائم، (أو قال: تسجى بثوبه) شكٌّ من الراوي، ويروى أنهما اتبعا أثر الحوت وقد يبس الماء في ممرِّه فصار طريقًا فأتيا جزيرة فوجدا (١) الخضر قائمًا يصلي على طنفسة خضراء على كبد البحر؛ أي: وسطه.

(فسلم موسى) عليه السلام، (فقال الخضر: وأنَّى)؛ بفتح الهمزة وتشديد النون المفتوحة؛ أي: كيف، (بأرضك السلام)؛ أي: السلام بهذه الأرض عجيب، ويؤيده ما في التفسير: هل بأرض من سلام، وكأنها كانت داركفر وكانت تحيتهم بغير السلام، وقد تكون (أنى)؛ بمعنى: أين، فهي ظرف مكان و (بأرضك) محله النصب على الحال من السلام.

(فقال)، وفي رواية: (قال) : (أنا موسى فقال) له الخضر: أنت (موسى بني إسرائيل) : فهو خبر لمبتدأ محذوف، (قال: نعم) أنا موسى بني إسرائيل، فهو مقول القول ناب عن الجملة، وهذا يدل على أن الأنبياء ومن دونهم لا يعلمون من الغيب إلا ما علَّمهم الله تعالى؛ لأنَّ الخضر لو كان يعلم كل غيب؛ لعرف موسى قبل أن يسأله.

(قال: هل) : للاستفهام، (أتبِعُك على أن) : مصدرية؛ أي: على اتباعي إياك، (تعلمني مما علمت)؛ أي: من الذي علمك الله علمًا، (رشدًا) فهو منصوب صفة لمصدر


(١) في الأصل: (فوجد).

<<  <   >  >>