أثقال الآثام عن ظهره منها بأشرف المواضع للواضع، ويخبت إليها إخبات الطائح الطائع، ويرجو فضلها رجاء الطامح الطامع. ولولا أن الكتاب حجاب بينه وبين المهابة التي تحول بين المرء وقلبه، والجلالة التي هو في تعظيمها على نور من ربه، لكان خاطره في قبضة الهلع أسيرا، ولانقلب إليه البصر خاسئا حسيرا، ولكن قلمه قد تشاجع، أن كان لسانه عن الإبانه قد راجع. فيقول:
إن الله قد رفع ملة الإسلام على الملل، وكفل نصرها وكفى ما كفل، وحمى ملكها وحمل، وجعل لها الأرض في أيدى المخالفين ودائع، ومكّن يده من أعناقهم فهى إما تعقد الأغلال أو تصوغ الصنائع، والحق بها قائم العمود، والسيف للكفاية لازم الغمود؛ والبشائر تمسك الصباح وتخلق الدجى، والخيل على طول ما تشتمل الوحا تنتعل الوجى، والأيام زاهرة، والآيات باهرة، وعزة أوليائها قاهرة، وذلة أعدائها ظاهرة، وعنايات الله لديها متوالية متظاهرة.
إذا تغرب اسمها يوما عن منبر أعيد إلى وطنه غدا، وإذا أوقدت نار فتنة في معصيتها أوقدت في طاعتها نار هدى.
وقد كان النيل قدما فرّت عن الفرات أبناؤه، وتحصنت غلل المؤمنين عنه فلم يتغلغل إليها ماؤه، وكادت السماء لا تعينه بمطرها، والأرض لا توشّيه بزهرها والأعناق قد تقاصر دون الراجين بدو مبعصها (١)، والقلوب قد لاذت بأستار الجدار مبعصها (١)، والأوثان منصوبة، والآيات مغصوبة، والتيجان بغير أكفائها من الهامات معصوبة، والدين أديانا، والمذكّرون بالآيات يخرون عليها صمّا وعميانا؛ والعادلون بالله قد وطّنوا ألسنة وصرحوا عقائد، والمعتدون قد أضلّوا فعالا وضلوا مقاصد، وكراسىّ خلافة الله قد ألقى عليها أجساد كانت تقعد منها مقاعد، ومنابر كلمات الله قد كاد كيدهم يأتى بنيانها من القواعد، وحرت على بنوّة النّبوة أشدّ نبوة،