وقصرت الأيدى فلا حدّ سوط ولا حد سطوة، ثم قست قلوب {(فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً)} وغرّت الأيام وما وعدت، وأوردت الهمم وما أصدرت، وطغى طوفان الطغيان ولا عاصم، وسما بناء البهتان ولا هادم، وضاقت الصدور، ورحلت بغليلها إلى القبور، وظن أن طىّ دولنهم معدوق بالنشور؛ حتى إذا جلاّها الله لوقتها، وأنجز جموع الضلال إلى ميعاد شتها، وأراهم آية معدلته ({وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها})، و ({جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كارِهُونَ)}، ({وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ}).
كانت نعمة من الله يمنها على المملوك أن أنتجبه من بين أهل أرضه، وانتخبه لإقامة ما أمات الباطل من فرضه، ويسره لما يسره من نصرة الحق وأهله، وبشره بما بشره من لواء النصر، ومدّ من ظله، وألهمه الهمة التي افترع منها بكرا، ومنحه النصرة فما يستطيع العدو صرفا ولا نصرا. مكنه من صياصيهم فحلّها، ومن دمائهم فطلّها، ومن سيوفهم ففلّها، ومن أقدامهم فاستزلها، ومن منابر دعاتهم فعجل تداعيها، ومن أنفس أعدائهم فأكثر تناعيها، وأبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم، ويسر الذين كتب لهم العفو إلى منافعهم، ونثر خرزات الملك من تيجانها، وفضح على يده وبلسانه مازورته من أنسابها، وحسابها فأظهر زيف حسابها، ونقلها من ظهور أسرتها إلى بطون ترابها، وعمد إلى أهل دعوتها الذين بسقوا بسوق النخل فأعلاهم على جذوعها، وحملت قلوبهم فوف الحقد فأخرجها من أكمام طلوعها، فهل ترى لهم من باقية، أو تسمع لهم من لاغية، أو تجد إليهم من صاخية، فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم أو مساكينهم، وحصدوا حصد الحشيش ثم لا تخاف سيوفهم ولا سكاكينهم، واستنزلوا من عقاب اللّوح وسجنوا في الهمّ من طول مداومة عقاب الروح؛ ثم تداركوا إلى الدرك، واشتركوا في الشرك، وأقفرت منهم عراص،