وزهدت فيهم خواص، وعلم أن ليس لله غالب، وأن ليس يفوته طالب، وأن الملك لله وحده، وأن الويل لمن تجاوز أمره وحده.
وكان المملوك ممن عطل من أوثانهم، وأبطل من أديانهم، فائزا بحسنة ينظر إلى حسنات خليل الله صلى الله عليه وسلم في كيده الأصنام وتكسيرها، وتضليله عابديها وتكفيرها. وعمد المملوك إلى المحاضر فجمعها، وإلى المنابر فرفعها، والجمعة فأطاع من شرعها، وأسماء صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فوصلها باسمه وما قطعها، وعمومتها رضوان الله عليهم فتلاها له وآتبعها، وأشاد باسم أمير المؤمنين لتكون الصلاة جامعة، والذكرى شاملة والإمامة للجماعة شارعة، والهداية للضلالة صارعة، فعادت للملة أعياد، وأخضرت للمنبر أعواد، وأنجز للأمة ميعاد.
وبعد ذلك تحاشدت أولياء الذاهبين وتنادت، وتساعت نحو مستقر المملوك وتعادت ({وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ)} وكانوا حمية حامية من بنى حام كالجراد أرجلا، إلا أن الله أصلاها بنيرانه، وكالماء مدا إلا أن الله أغرقها بطوفانه، وكالنمل لونا وطرقا إلا أن الله حطمها بسليمانه، مع من انضم إليهم من ألفاف وأطراف، وأوشاب وأوباش: من جندى كسبه سيفه ذلّه، وطرده عن مواقف الكرام وبمحالّ الخزى أحله، ومن أرمنىّ كانوا يفزعون إلى نصرة نصرانيته، ويعتمدون منه على ابن معموديته، ومن عامى أجابهم لفرط عماه وتفريط عاميته، فملأ العيون سوادهم الأعظم، ووراءهم بأس الله الذى لا يرد عمن أجرم، فأمطرتهم السيوف مطرا كانوا غثاء لسيوله الجوارف، وعصفت بهم الأعنة عصفا كانوا هباء لهوجه العواصف ({فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ}) وعوتبت الأنفس والأرؤس ف ({قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ.})
وظلت قحاف بنى حام تحت غربان الفلا غربانا، وشوهدت ظلمات بعضها