قد كبر عليها الصغير، ولم يعرف غيرها الكبير، ومهابة تمنع خطرات الضمير، فكيف لحظات التدبير.
هذا إلى استباحة للمحارم ظاهرة، وتعطيل للفرائض على عادة جارية، وتحريف للشريعة بالتأويل، وعدول إلى غير مراد الله في التنزيل، وكفر سمى بغير اسمه، وشرع يستربه، ويحكم بغير حكمه.
فمازلنا نسحتهم سحت المبارد للشفار، ونتحيفهم تحيّف الليل والنهار للأعمار، بعجائب تدبير، لا تحتملها المساطير، وغرائب تقرير لا تحملها الأساطير، ولطف توصل ما كان في حيلة البشر ولا قدرتهم إلا إعانة المقادير، وفى أثناء ذلك استنجدوا علينا الفرنج دفعة إلى بلبيس، ودفعة إلى دمياط، وفى كل منهما وصلوا بالعدو المجهر والحشد الأوفر، وخصوصا في نوبة دمياط فإنهم نازلوها بحرا في ألف مركب مقاتل وحامل، وبرأ في مائتى ألف فارس وراجل، وحصروها شهرين يباكرونها ويراوحونها، ويماسونها ويصابحونها، القتال الذى يصليه الصليب، والقراع الذى ينادى به من مكان قريب، ونحن نقاتل العدوين: الباطن والظاهر، ونصابر الضدين:
المنافق والكافر، حتى أتى الله بأمره، وأيّدنا بنصره، وخابت المطامع من المصريين ومن الفرنج، ومن ملك الروم ومن الجنويين وأجناس الروم، لأن أنفارهم تنافرت، ونصاراهم تناصرت، وأناجيل طواغيتهم رفعت، وصلب صلبوتهم أخرجت، وشرعنا في تلك الطوائف من الأجناد والسودان والأرمن فأخرجناهم من القاهرة تارة بالأوامر المرهقة لهم، وبالذنوب الفاضحة منهم، وبالسيوف المجردة وبالنار المحرقة، حتى بقى القصر ومن به من خدمه قد تفرقت شيعه، وتمزقت بدعه، وخفتت دعوته، وخفيت ضلالته.
فهنالك تمت لنا إقامة الكلمة والجهر بالخطبة، والرفع للواء السواد الأعظم،