والجمع لكلمة السواد الأعظم، وعاجل الله الطاغية الأكبر بفنائه، وبرأنا من عهدة يمين كان حنثها أيسر من إثم إبقائه، إلا أنه عوجل لفرط روعته ووافق هلاك شخصه هلاك دولته.
ولما خلا ذرعنا، ورحب وسعنا، نظرنا في الغزوات إلى بلاد الكفار، فلم تخرج سنة إلا عن سنّة أقيمت فيها برا وبحرا، ومركبا وظهرا، إلى أن أوسعناهم قتلا وأسرا، وملكنا رقابهم قهرا وقسرا، وفتحنا لهم معاقل ما خطر أهل الإسلام فيها منذ أخذت من أيديهم، وما أوجفت فيها خيلهم ولا ركابهم مذ ملكها أعاديهم، فمنها ما حكمت فيه يد الخراب، ومنها ما استولت عليه يد الاكتساب، ومنها قلعة بثغر أيلة كان العدو قد بناها في بحر الهند، وهو المسلوك منه إلى الحرمين واليمن، وغزا ساحل الحرم فسبى منه خلقا، وخرق الكفر في هذا الجانب خرقا، فكادت القبلة أن يستوى على أصلها، ومساجد الله أن يسكنها غير أهلها، ومقام الخليل صلوات الله عليه أن يقوم به من ناره غير برد وسلام، ومضجع الرسول شرّفه الله أن يتطرقه من لا يدين بما جاء به من الإسلام، ففتح الله هذه القلعة وصارت معقلا للجهاد، وموئلا لسفار البلاد، وغيرهم من عباد العباد، فلو شرح ما تم بها للمسلمين من الأثر الجليل، وما استدّ من خلاتهم، وأحرق من زروع المشركين ورعى من غلاتهم، إلى أن ضعفت ثغورهم، واختلت أمورهم، لاحتيج فيه إلى زمن يشغل عن المهمات الشريفة لسماع مورده، وإيضاح مقصده.
وكان باليمن ما علم من ابن مهدى الضال وله آثار في الإسلام، وثأر طالبه النبى عليه الصلاة والسلام، لأنه سبى الشرائف الصالحات وباعهن بالثمن البخس، واستباح منهن كل ما لا تقر عليه نفس، وكان ببدعه دعا إلى قبر أبيه وسماه كعبه، وأخذ أموال الرعايا المعصومة وأجاحها، وأحلّ الفروج المحرّمة وأباحها، فأنهضنا