للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتقلّص ظلّ رجاء الكافر المبسوط، وصدق الله أهل دينه، فلمّا وقع الشرط حصل المشروط؛ وكان الدّين غريبا فهو الآن في وطنه، والفوز معروضا فقد بذلت الأنفس في ثمنه، وأمر أمر الحقّ وكان مستضعفا، وأهل ربعه وكان قد عيف حين عفا؛ وجاء أمر الله وأنوف أهل الشّرك راغمه، فأدلجت السيوف إلى الآجال وهى نائمة، وصدق وعد الله في إظهار دينه على كل دين، واستطارت له أنوار أبانت أنّ الصبح عندها حيان الحين؛ واستردّ المسلمون تراثا كان عنهم آبقا، وظفروا يقظة بما لم يصدّقوا أنهم يظفرون به طيفا على النّأى طارقا؛ واستقرّت على الأعلى أقدامهم، وخفقت على الأقصى أعلامهم؛ وتلاقت على الصخرة قبلهم، وشفيت بها وإن كانت صخرة [قلوبهم] كما تشفى بالماء غللهم.

ولمّا قدم الدّين عليها عرف منها سويداء قلبه، وهنّا كفؤها الحجر الأسود ببتّ عصمتها من الكافر بحربه، وكان الخادم لا يسعى سعيه إلا لهذه العظمى، ولا يقاسى تلك البؤسى إلا رجاء هذه النّعمى، ولا يناجز من يستمطله في حربه، ولا يعاتب بأطراف القنامن يتمادى في عتبه، إلا لتكون الكلمة مجموعه، والدعوة إلى سامعها مرفوعة، فتكون كلمة الله هى العليا، وليفوز بجوهر الآخرة لا بالعرض الأدنى من الدنيا؛ وكانت الألسنة ربما سلقته فأنضج قلوبها بالاحتقار، وكانت الخواطر ربما غلت عليه مراجلها فأطفأها بالاحتمال والاصطبار؛ ومن طلب خطيرا خاطر، ومن رام صفقة رابحة تجاسر، ومن سما لأن يجلّى غمرة غامر؛ وإلا فإنّ القعود يلين تحت نيوب الأعداء المعاجم فتعضّها، ويضعف بأيديها مهز القوائم فتقضّها؛ هذا إلى كون القعود لا يقضى فرض الله في الجهاد، ولا يرعى به حقّ الله في العباد، ولا يوفى به واجب التقليد الذى تطوّقه الخادم من أئمة قضوا بالحقّ وبه كانوا

<<  <  ج: ص:  >  >>