فالأولى في عصر النبى - صلى الله عليه وسلم - والصحابة، والأخرى هذه التي عتق فيها من رقّ الكآبة، فهو قد أصبح حرا فالزمان كهيئته استدار، والحق بمهجته قد استنار؛ والكفر قد ردّ ما كان عنده من المستعار، وغسل ثوب الليل بما فجّر الفجر من أنهار النهار؛ وأتى الله بنيان الكفر من القواعد، وشفى غليل صدور المؤمنين برقراق ماء الموردات البوارد، أنزل ملائكة لم تظهر للعيون اللاحظة، ولم تخف عن القلوب الحافظة؛ عزت سيما الإسلام بمسومها، وترادف نصره بمردفها، وأخذت القرى وهى ظالمة فترى مترفيها كأن لم تؤو فيها؛ فكم أقدم بها حيزوم، وركض فاتبعه سحاب عجاج مركوم، وضرب فإذا ضربه كتاب جراح مرقوم.
وإلا فإن الحروب إنما عقدت سجالا، وإنما جمعت رجالا وإنما دعت خفافا وثقالا؛ فإما سيوف تقاتل سيوفا، أو زحوف تقاتل زحوفا؛ فيكون حدّ الحديد بيد مذكرا وبيد مؤنثا، ويكون السيف في اليد الموحدة يغنى بالضربة الموحدة، ومن اليد المثلثة لا يغنى بالضرب مثلثا، وذلك أنه في فئتين التقتا، وعدوتين لغير مودة اعتنقتا، وإن هذه النصرة إن زويت عن ملائكة الله جحدت كراماتهم، وإن زويت عن البشر فقد عرفت قبلها مقامتهم، فما كان سيف يتيقظ من جفنه قبل أن ينبهه الصريخ، ولا كان ضرب يطير الهام قبل ضرب يراه الناظر ويسمعه المصيخ، فكم ضربة كأنها هجرة الموت وبها التاريخ، وكم طعنة تحزّ لها هضاب الحديد ولها شماريخ.
والحمد لله الذى أعاد الإسلام جديدا ثوبه، بعد أن كان جديدا حبله، مبيضّا نصره، مخضّرا نصله، متسعا فضله، مجتمعا شمله.
والخادم يشرح من نبإ هذا الفتح العظيم، والنصر الكريم؛ ما يشرح صدور المؤمنين، ويمنح الحبور لكافة المسلمين؛ ويكرر البشرى بما أنعم الله به