وجميل تدبيره؛ مستصلحا نياتهم بإدامة التلطف والتعهد، مستوضحا أحوالهم بمواصلة التفحص والتفقد؛ وأن يسوسهم سياسة تبعثهم على سلوك المنهج السليم، ويهديهم في انتظامها واتساقها إلى الصراط المستقيم، ويحملهم على القيام بشرائط الخدم، والتمسك منها بأقوى الأسباب وأمتن العصم؛ ويدعوهم إلى مصلحة التواصل والائتلاف، ويصدهم عن موجبات التخاذل والاختلاف؛ وأن يعتمد فيهم شرائط الحزم في الإعطاء والمنع، وما تقتضيه مصلحة أحوالهم من أسباب الخفض والرفع؛ وأن يثيب المحسن على إحسانه، ويسيل على المسىء ما وسعه العفو واحتمله الأمر ذيل صفحه وامتنانه؛ وأن يأخذ برأى ذوى التجارب منهم والحنكة، ويجتنى بمشاورتهم في الأمر ثمر الشركة؛ إذ في ذلك أمن من خطا الانفراد، وتزحزح عن مقام الزيغ والاستبداد.
وأمره بالتبتل لما يليه من البلاد، ويتصل بنواحيه من ثغور أولى الشرك والعناد؛ وأن يصرف مجامع الالتفات إليها، ويخصها بوفور الاهتمام بها والتطلع عليها؛ وأن يشمل ما ببلاده من الحصون والمعاقل بالإحكام والإتقان، وينتهى في أسباب مصالحها إلى غاية الوسع ونهاية الإمكان، وأن يشحنها بالميرة الكثيرة والذخائر، ويمدها من الأسلحة والآلات بالعدد المستصلح الوافر، وأن يتخير لحراستها [من يختاره] من الأمناء التقاة، ولسدها من ينتخبه من الشجعان الكماة؛ وأن يؤكد عليهم في استعمال أسباب الحفظة والاستظهار، ويوقظهم للاحتراس من غوائل الغفلة والاغترار؛ وأن يكون المشار إليهم ممن ربوا في ممارسة الحروب على مكافحة الشدائد، وتدربوا في نصب الحبائل للمشركين والأخذ عليهم بالمراصد، وأن يعتمد هذا القبيل بمواصلة المدد، وكثرة العدد، والتوسعة في النفقة والعطاء؛ والعمل معهم بما يقتضيه حالهم وتفاوتهم في التقصير والفناء؛ إذ في ذلك حسم لمادة الأطماع في بلاد الإسلام، ورد لكيد المعاندين