للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تجيزهم نهر جيحون، فعملوا من الخشب مثل الأحواض الكبار لا يدخلها الماء، ووضعوا فيها سلاحهم وأمتعتهم، وألقوا الخيل في الماء وتعلقوا بأذناب خيلهم وشدوا تلك الحياض إلى أنفسهم، فكان الفرس يجذب الرجل، والرجل يجذب الحوض، فعبروا كلهم دفعة [واحدة (١)]. ولم يشعر خوارزم شاه إلا وهم معه في أرض واحدة، فولى منهزما لا يلوى على شئ، وتفرق أصحابه أيدى سبا. وذهب كل فريق [منهم (٢)] إلى جهة خذلانا من الله تعالى.

وقصد خوارزم شاه مدينة نيسابور، فاجتمع إليه بها بعض العسكر، فلم يشعروا إلا وأولئك (٣) التتر قد وصلوا إليهم. فرحل من بين أيديهم منهزما إلى مازندارن (٤)، فرحل التتر في أثره طالبين له، فكان كلما رحل من منزلة نزلوها. ووصل إلى الرى وهى من عراق العجم، ثم منها إلى همذان [٨٦ ا] والتتر في أثره، فرحل في نفر يسير لينكتم خبره. وعاد [خوارزم شاه (٥)] إلى مازندران، ثم قصد مرسى على بحر طبرستان يعرف بآب سكون (٦) فنزل في السفن ومضى إلى قلعة له في البحر فاعتصم بها وأدركته منيته فمات [بها (٧)] رحمه الله. وكان ملكا جليلا عظيم المقدار، عزيز الفضل، يحب العلماء ويعظمهم جدا. وكان قد اعتنى بالأمام فخر الدين بن خطيب الرى، صاحب التصانيف البديعة والعلوم الجمة، وكان ينزل إلى داره ماشيا، ويجلس بين يديه ويتعلم العلم منه. وكانت مملكته من حد العراق إلى تركستان


(١) ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(٢) ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(٣) في الأصل «وأوايل» والصيغة المثبتة من نسخة س، انظر كذلك ابن الأثير (الكامل، ج ١٢، ص ٣٧٠.
(٤) ذكر ياقوت (معجم البلدان) أن مازندران اسم لولاية طبرستان.
(٥) اضيف ما بين الحاصرتين للتوضيح.
(٦) ذكر ياقوت (معجم البلدان) أن أبسكون كانت فرضة للسفن والمراكب على ساحل بحر طبرستان.
(٧) ما بين الحاصرتين من نسخة س.

<<  <  ج: ص:  >  >>