للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقاتلة في غاية الشجاعة فحصروها ستة أشهر يقاتلون أهلها بالليل والنهار، فلم ينالوا منها غرضا فأرسلوا إلى جنكزخان يعرّفونه عجزهم عن ملك هذه القلعة لحصانتها وكثرة مقاتليها وشجاعتهم. فسار بنفسه بمن معه من جموعه فحصرها، ومعه خلق من المسلمين أسرى مكرهين على القتال، فأقام على حصارها أربعة أشهر أخرى وقتل من التتر عليها خلق كثير. ثم أمر [جنكزخان] (١) أن يجمع له من الحطب والأخشاب ما أمكن جمعه، وصاروا يعملون صفا من خشب وصفا من تراب. ولم يزالوا كذلك حتى صار تلا عاليا يوازى القلعة، وصعدت الرجالة (٢) فيه ونصبوا عليه منجنيقا فصار يرمى إلى وسط القلعة. فاجتمع من بها وفتحوا بابها وخرجوا وحملوا على التتر حملة واحدة، فسلمت الخيالة منهم ونجوا وسلكوا الجبال والشعاب، وقتلت الرجالة وملكت التتر القلعة، وسبوا النساء والأطفال ونهبوا الأموال.

ثم أن جنكزخان جمع رجال البلاد الذين أعطاهم الأمان كأهل بلخ وغيرهم، وسيرهم مع بعض أولاده إلى مدينة مرو، فوصلوا إليها وبها من المسلمين المقاتله ما يزيد على مائتى ألف رجل من جند وتجار وعرب وترك، وهم معسكرون بظاهر مرو عازمون على لقاء التتر [٩٠ ا]. فلما وصل التتر إليهم التقوا واقتتلوا قتالا شديدا، ثم انهزم المسلمون ووضع التتر السيف فيهم فلم يسلم منهم إلا القليل، ونهبت أموالهم وسلاحهم. ثم أرسل التتر إلى ما حولهم من البلاد ليأتيه رجال أهلها، فلما اجتمعوا عنده زحفوا إلى مرو وجدوا في حصارها أربعة أيام، وقد ضعفت قلوب أهل مرو لانكسار عسكرهم.


(١) أضيف ما بين الحاصرتين للتوضيح.
(٢) في نسختى المخطوطة «الرجال» والصيغة الصحيحة المثبتة من ابن الأثير، الكامل، (ج ١٢، ص، ٣٩١، حوادث ٦١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>