للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمذهب الروافض، ومخالفا في كل ما ذكرنا لطريقة جده الناصر لدين الله (١). وسلك ولده المستعصم بالله في اتباع مذهب أهل السنة مسلكه، لكن لم يسلك مسلكه في حسن التدبير والنظر في مصالح المملكة.

وعمرت البلاد في أيام المستنصر بالله - رحمه الله - عمارة عظيمة. وأثر فيها الآثار الجميلة الحسنة؛ من ذلك أنه بنى على شط دجلة من الجانب الشرقى مما يلى دار الخلافة (٢)، مدرسة سميت المستنصرية (٣). لم يبن على وجه الأرض مدرسة أحسن منها، ولا أكثر وقفا. وجعل فيها أربعة مدرسين على المذاهب الأربعة، كل مدرس منهم له سدة عالية، ومسند يستند إليه. ورتب في المدرسة دار كتب، فيها من الكتب النفيسة في سائر أنواع العلوم شيئا كثيرا جدا. وجعلها برسم من يطالع ويستنسخ من الفقهاء. ورتب فيها الورق والأقلام لمن يريد النسخ.

ورتب بيمارستانا للمدرسة، للمرضى فيه جميع صنوف الأدوية والعقاقير والأشربة. ورتب به من الأطباء من يقوم بمعالجة الفقهاء، ويصرف إليهم مما في البيمارستان ما يشير الأطباء باستعماله من الأشربة والأدوية والسكر والفراريج وغير ذلك.

ورتب أيضا في المدرسة مطبخا للفقهاء يطبخ فيه الطعام [ق ٤٠ ب] ويحمل إلى كل منهم كفايته منه، ومن الخبز الجيد. ورتب ما يشترى به الحصر لبيوت


(١) انظر ما سبق، ابن واصل، مفرج الكروب، ج ٤، ص ١٦٦.
(٢) عن طوبغرافية بغداد، انظر:
Lassner, J, The Topography of Baghdad in the early Middle ages, (Detroit, ١٩٧٠).
(٣) ذكر سبط ابن الجوزى (مرآة الزمان، ج ٨، ص ٤٨٩) عن هذه المدرسة، «وليس في الدنيا مثل هذه المدرسة ولا بنى مثلها في سالف الأعوام فهمى بالعراق كجا مع دمشق وقبة الصخرة بالشام»، انظر أيضا، العينى، عقد الجمان، حوادث ٥٦٤ هـ‍؛ أبو الفدا، المختصر ج ٣، ص ١٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>