للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على حربه وحرب أصحابه واستئصالهم، ويكون بعد ذلك البلاد بينهم وبين الفرنج يقتسمونها، فسيّر مؤتمن الخلافة رجلا وحملّه (١) كتابا إلى الفرنج، فخرز عليه نعله، وظنوا أن ذلك يخفى عن صلاح الدين والمسلمين (٢)، {وَيَأْبَى اللهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ} (٣)».

فاتفق أن ذلك القاصد لما عبر بالبئر البيضاء (٤) رآه رجل تركمانى وعلى القاصد خلقان، وفى يده النعلان اللذان (٥) أخفيت فيهما المكاتبة، وليس فيهما أثر شىء، فأنكرهما التركمانى، فأخذهما، وأحضرهما إلى صلاح الدين، ففتقهما فوجد مكاتبة الفرنج فيهما من أهل القصر، فأخذ صلاح الدين الكتاب، وقال: «دلونى على كاتب هذا الخط»، فدلوه على رجل يهودى، فلما أحضروه ليسألوه ويعاقبوه ويقابلوه، نطق بالشهادتين واعتصم بهما، واعترف أنه كاتب الكتاب عن أهل القصر، فأخفى صلاح الدين الحال، واستشعر مؤتمن الخلافة، وخاف على نفسه، ولازم القصر لا يخرج منه، فإذا خرج لم يبعد، وصلاح الدين معرض عن ذكره البتة، مغض عنه، لا يأمر فيه ببسط ولا قبض، فاسترسل حينئذ وظن أنه لا يقدم عليه؛ وكان له قصر


(١) في الأصل: «وأصحابه» ولا يستقيم المعنى بها، وقد صححت بعد مراجعة: (ابن الأثير: الكامل، ج ١١، ص ١٢٩) و (أبو شامة: الروضتين، ج ١، ص ١٧٨).
(٢) بين كلمة «المسلمين» والآية القرآنية لفظ «دبابا» ولا معنى لها فحذفت.
(٣) السورة ٩ (التوبة)، الآية ٣٢ (م).
(٤) ذكر (المقريزى: الخطط، ج ٣، ص ٢) أنها قريبة من بلبيس، هذا ويستفاد مما ورد في (صبح الأعشى، ج ١٤، ص ٣٧٦) عند الكلام عن مراكز البريد وعن الطريق بين القاهرة وغزة أن هذه البئر كانت واقعة بين بلدتى الخانكة وبلبيس، وقد حقق المرحوم محمد رمزى بك موقعها، قال في: (النجوم الزاهرة، ج ٨، ص ٤٤، هامش ٢): «وبالبحث عن موقعها تبين لى أن مكانها اليوم عزبة أبى حبيب الواقعة في حوض البيضاء بأراضى ناحية الزوامل بمركز بلبيس، ولا يزال اسم البيضاء والمنسوب إليه هذه البئر يطلق على الحوض المذكور».
(٥) في الأصل: «اللذين».

<<  <  ج: ص:  >  >>