للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أفواه السكك، فطلبوا الأمان بعد أن كثر فيهم القتل، فأجيبوا إلى ذلك؛ وذلك يوم السبت ليلتين بقيتا من ذى القعدة، فمضوا إلى الجيزة، فعبر إليهم الملك المعظم شمس الدولة توران شاه بن أيوب - أخو السلطان - في طائفة من العسكر فأبادهم بالسيف، فلم يبق منهم إلا الشريد، وضعف أمر العاضد بالكلية وتلاشى أمره؛ وأمر صلاح الدين بتخريب محلة السودان، وأعفى أثرها، فخرّبها بعض الأمراء واتخذها بستانا؛ وأصبح أمر السودان كأن لم يكن قط (١)؛ ففى ذلك يقول عماد الدين الكاتب يمدح صلاح الدين، وسيّرها إليه من الشام:

بالملك الناصر استنارت ... - في عصرنا - أوجه الفضائل

علىّ من حقه فروض ... شكرا لما جاد من نوافل

يوسف مصر الذى إليه ... تشدّ آمالنا الرواحل

أجريت نيلين في ثراها: ... نيل نجيع، ونيل نائل

وما نفيت السودان حتى ... حكّمت البيض في المقاتل

[١١٦] صيّرت رحب الفضاء ضيقا ... عليهم كفه بحائل (٢)

وكلّ رأى منهم كراء ... وأرض مصر كلام واصل

وقد خلت منهم المغانى ... وأقفرت منهم المنازل


(١) أورد المقريزى في كتابه (الخطط، ج ٣، ص ٢٩) نصا هاما يشير إلى مكانة السودانيين في الجيش الفاطمى ومبلغ ما كان لهم من نفوذ، وكيف تتبعهم صلاح الدين في الصعيد بعد هذه الوقعة إلى أن قضى على نفوذهم نهائيا، قال: «وكان للسودان بديار مصر شوكة وقوة، فتبعهم صلاح الدين ببلاد الصعيد حتى أفناهم بعد أن كان لهم بديار مصر في كل قرية ومحلة وضيعة مكان مفرد لا يدخله وال ولا غيره، احتراما لهم، وقد كانوا يزيدون على خمسين ألفا، وإذا ثاروا على وزير قتلوه، وكان الضرر بهم عظيما لامتداد أيديهم إلى أموال الناس وأهاليهم، فلما كثر بغيهم وزاد تعديهم أهلكهم الله بذنوبهم. . . الخ».
(٢) الأصل: «كفة لحابل»، وما هنا عن: (الروضتين، ج ١، ص ١٧٨)، وقد وردت هذه القصيدة أيضا في: (المقريزى: الخطط، ج ٣، ص ٢٩ - ٣٠)، وهى هناك أكثر أبياتا فانظرها

<<  <  ج: ص:  >  >>