للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: هكذا ذكر بعضه المؤرخين، ولم يذكر غيره أن نور الدين نازل الكرك في هذه السنة، بل كلهم ذكر أن نور الدين كاتب صلاح الدين بالمسير إلى الكرك، فخرج متوجها إليها، ثم عاد، وكان السبب في عود صلاح الدين أن أصحابه وخواصه خوّفوه من الاجتماع بنور الدين (١).

ولما لم يمتثل صلاح الدين أمر نور الدين عظم ذلك عليه، وعزم على الدخول إلى الديار المصرية وإخراج صلاح الدين عنها، فبلغ الخبر إلى صلاح الدين فجمع أهله وفيهم والده نجم الدين أيوب، وخاله شهاب الدين الحارمى ومعهم سائر الأمراء، وأعلمهم بما قد عزم عليه نور الدين في قصده وأخذ مصر منه، واستشارهم فلم يجبه أحد منهم بشىء، فقام ابن أخيه الملك المظفر تقى الدين عمر بن شاهنشاه [١٣٥] بن نجم الدين أيوب، وقال: «إذا جاء قاتلناه وصددناه عن البلاد»، ووافقه غيره من أهله، فشتمهم نجم الدين أيوب، وأنكر ذلك عليهم غاية الإنكار، وقال لصلاح الدين: «أنا أبوك وهذا شهاب الدين خالك، أتظن في هؤلاء كلهم من يحبك ويريد لك الخير مثلنا؟» فقال: «لا»، فقال: «والله لو رأيت أنا وهذا خالك نور الدين لم يمكننا إلا أن نترجل إليه، ولو أمرنا بضرب عنقك بالسيف لفعلنا، فإذا كنا نحن هكذا فكيف يكون غيرنا؟ وكل من تراه من الأمراء والعساكر لو رأى نور الدين وحده لم يتجاسر على الثبات على سرجه، ولا وسعه إلا النزول وتقبيل الأرض بين يديه، وهذه البلاد له، وقد أقامك فيها، فإن أراد عزلك عزلك (٢)، وأى حاجة له إلى المجىء؟ يأمر بكتاب مع نجّاب حتى تقصد خدمته، ويولى بلاده من يريد»، وقال للجماعة كلهم: «قوموا عنا فنحن


(١) صيغة س يختلف قليلا، وهى: «بنور الدين فعاد إلى مصر ولم يمتثل أمر نور الدين، فلما بلغ نور الدين ذلك عظم عليه. . . إلخ».
(٢) في س (٣٨ ب) «: فان أراد عزلك فأى حاجة. . . إلخ».

<<  <  ج: ص:  >  >>