للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم شرع نور الدين باللعب بالكرة مع خواصه، فاعترضه برتقش - أمير آخر - وقال له: «باش»، فحصل عنده غيظ على خلاف عاداته في الكرم والحلم، فزجره وزيره، ثم ساق ودخل القلعة، ولم يخرج منها إلا ميتا، وأصابته (١) علة الخوانيق، فبقى أسبوعا في منزله مشغولا بالنازلة التي نزلت به، والناس مشغولون بزينة الختان والفرح، والبلد مزين لطهور الملك الصالح، فما انتهت الأفراح إلا بحلول المصيبة به رحمه الله.

وأشار عليه الأطباء بالفصد فامتنع، وكان مهيبا فما روجع؛ وحكى الطبيب جمال الدين الرحبى (٢) الدمشقى قال: «استدعانى نور الدين في مرضه الذى توفى فيه مع غيرى من الأطباء، فدخلنا عليه وهو في بيت صغير بقلعة دمشق، وقد تمكنت الخوانيق به وقارب الهلاك، فلا يكاد يسمع صوته، فقلت له: كان ينبغى أن لا يؤخر إحضارنا إلى أن يشتد بك المرض إلى هذا الحد؛ فالآن ينبغى أن تنتقل إلى مكان فسيح فله أثر في هذا المرض، وشرعنا في علاجه فلم ينفع فيه الدواء، وعظم الداء، ومات عن قريب».

قال عماد الدين الكاتب (٣): «كان لنور الدين - رحمه الله - صفّة (٤)


(١) س (١٤٩): «وكان سببه أنه أصابته. . الخ».
(٢) هو جمال الدين عثمان بن يوسف بن حيدرة الرحبى، ولد ونشأ في دمشق، وكان كما يذكر (ابن أبى أصيبعة: طبقات الأطباء، ج ٢، ص ٢٠١): أوحد زمانه، اشتغل بصناعة الطب على والده وعلى غيره، وأتقنها إتقانا لا مزيد عليه، وخدم في البيمارستان الكبير الذى أنشأه نور الدين وبقى به سنين، وكان يحب التجارة ويعانيها ويسافر بها في بعض الأوقات إلى مصر، ويأتى من مصر بتجارة، ولما وصلت التتر إلى الشام في سنة ٦٥٧ هـ‍ توجه إلى مصر وأقام فيها، ثم مرض وتوفى بالقاهرة في سنة ٦٥٨ هـ‍.
(٣) روى هذا الخبر أيضا عن العماد صاحب الروضتين (ج ١، ص ٢٢٨).
(٤) جاء في (اللسان): صفة البنيان طرته، ومن معانيها في (محيط المحيط): المسطبة المرتفعة تستعمل للجلوس عليها، وهذا هو المعنى المقصود هنا، ومن هذا اللفظ أخذت الكلمة الانجليزية (sofa) فقد ذكرت المعاجم الانجليزية أنها من أصل عربى وأن معناها الأريكة أو المقعد الطويل ذى الظهر واليدين (a long seat with stuffed bottom,back .and arms) .
انظر أيضا: (المقريزى: السلوك، ج ١، ص ٤٨٧، هامش ٢ و Twentieth Century Dictionary) .

<<  <  ج: ص:  >  >>