للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من القبر، وصعد إلى السماء، فهم يعتقدون أن بذل الأنفس والأموال والأولاد بعض ما يجب عليهم في حفظه والذبّ عنه، فحصنوه في تلك الأيام بكل ممكن، ونصبوا المنجنيق على السور ليمنعوا ممن يريد النزول عليه والدنو منه.

ولما قرب السلطان منه تقدم الأمير جمال الدين شروين بن حسن الزرزارى في جماعة من أصحابه، غير محتاط ولا حذر، فلقيه جماعة من الفرنج قد خرجوا من القدس ليكونوا يزكا (١)، فقتلوه وقتلوا جماعة ممن معه، فأهم المسلمين فقده، وفجعوا بقتله.

وسار السلطان في عساكر المسلمين حتى نزل على القدس يوم الأحد خامس عشر رجب، ونزل بالجانب الغربى، وكان مشحونا بالمقاتلة من الخيالة والرجالة، لقد تحاذر [كذا] أهل الخبرة عدة من كان فيه من المقاتلة، بما يزيد على ستين ألفا ما عدا النساء والصبيان.

وبقى السلطان خمسة أيام يطوف حول البلد، لينظر من أين يقاتله، لأنه في غاية الحصانة والامتناع، فلم يجد عليه موضع قتال إلا من جهة الشمال نحو [باب عمود أو كنيسة صهيون] (٢)، فانتقل إلى هذه الناحية يوم الجمعة لعشر بقين من رجب، ونصب عليها المنجنيقات، وأصبح العدو وقد فرغ من نصبها، ورمى بها؛ ونصب العدو على سور البلد منجنيقات ورموا بها، وتقاتل الفريقان أشد قتال رآه الناس، وكل [٢٨٨] منهم يراه فرضا واجبا في دينه، لا يحتاج فيه إلى باعث سلطانى، بل كانوا يمنعون فلا يمتنعون ويزجرون فلا ينزجرون.

وكانت خيالة (٣) الفرنج يخرجون كل يوم إلى ظاهر البلد فيقاتلون ويبارزون، فيقتل من الفريقين جماعة، فممن استشهد من المسلمين على القدس الأمير


(١) راجع ما فات هنا ص ٣٨، هامش ٣
(٢) الأصل وس: «باب عمودا» والتصحيح عن (ابن الأثير، ج ١١، ص ٢٠٧).
(٣) كذا في الأصل وفى ابن الأثير، وفى س: «رجالة».

<<  <  ج: ص:  >  >>