للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

" أيها الملك: اعلم أننا في هذه المدينة في خلق كثير لا يعلمهم (١) إلا الله تعالى، وإنما يفترون عن القتال رجاء الأمان ظنا منهم أنك تجيبهم إليه، كما أجبت غيرهم، وهم يكرهون الموت، ويرغبون في الحياة، فإذا رأينا الموت لابد منه فوالله لنقتلن أبناءنا ونساءنا، ونحرق ما نملكه من أموالنا وأمتعتنا، ولا نترككم تغنمون منا دينارا ولا درهما، ولا تأسرون رجلا ولا امرأة، فإذا فرغنا من ذلك كله أخربنا الصخرة والمسجد الأقصى، وغيرهما من المواضع الشريفة، [٢٨٩] ثم نقتل من عندنا من أسرى المسلمين، وهم خمسة (٢) آلاف أسير، ولا نترك لنا دابة ولا حيوانا إلا قتلناه، ثم خرجنا إليكم، وقاتلنا قتال من يريد أن يحمى دمه ونفسه، وحينئذ لا يقتل الرجل حتى يقتل أمثاله، ونموت عزاء ونظفر كراما (٣) ".

فاستشار السلطان أصحابه، فأجمعوا على إجابتهم إلى الأمان، وأن لا يخرجوا وبحملوا على ما لا ندرى عاقبة الأمر فيه، وعن أي شىء ينجلى الأمر، وقالوا:

" نحسب أنهم أسارى بأيدينا، فنبيعهم نفوسهم بما يستقر بيننا وبينهم ".

فأجاب السلطان إلى بذل الأمان للفرنج، واشترط: أن يزن كل رجل عشرة دنانير، يستوى فيها الغنى والفقير، وتزن المرأة خمسة دنانير، ويزن الطفل من الذكور والإناث دينارين، فمن أدّى ذلك إلى أربعين يوما نجا، ومن انقضت الأربعون يوما ولم يؤد ما عليه فقد صار مملوكا.

فبذل الملك باليان بن بارزان عن الفقراء ثلاثين ألف دينار، فأجيب إلى ذلك.


(١) س: «لا يعلم عددهم».
(٢) س: «ستة» وما هنا يتفق والأصل المنقول عنه وهو (ابن الأثير: الكامل، ج ١١ ص ٢٠٨). وأنظر أيضا العماد (الروضتين، ج ٢، ص ٩٥).
(٣) س: «ونموت أعزاء كراما ولا نموت أذلاء لئاما»، والنص هنا يتفق ونص ابن الأثير.

<<  <  ج: ص:  >  >>