للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستعطف لافون، واقتضى الحال الاجتماع به ضرورة؛ وبالجملة هم في عدد كثير، ولقد أعرض عسكره فكان اثنين وأربعين ألفا (١)، وأما الرجالة فلا يحصى عددهم إلا الله تعالى، وهم أجناس متفاوتة، وخلق غريبة (٢)، وهم على قصد عظيم وجد وسياسة هائلة، حتى أن من جنى منهم جناية ليس له جزاء إلا أن يذبح مثل الشاة، ولقد بلغهم (٣) عن بعض أكابرهم أنه جنى على غلام له، وجاوز الحد في ضربه، فاجتمعت القسوس للحكم، واقتضى الحال والحكم العام ذبحه، وشفع إلى الملك منهم خلق كثير منهم، فلم يلتفت إلى ذلك وذبحه، وقد حرموا الملاذ (٤) على أنفسهم، حتى إن أي من بلغهم عنه بلوغ لذة هجروه وعزّروه، وكل ذلك كان حزنا على بيت المقدس، ولقد صحّ عن جمع منهم أنهم هجروا الثياب مدة طويلة، وحرموها على أنفسهم، ولم يلبسوا إلا الحديد، حتى أنكر عليهم الأكابر ذلك، وهم من الصبر على الذل والشقاء والتعب في حال عظيم " هذا آخر كتابه.

ولما هلك عدو الله ملك الألمان قام بالملك بعده ولده، واجتمعت العساكر على طاعته، ثم سار بهم إلى أنطاكية، وقد عمّ المرض أكثرهم، وصار معظمهم حملة عصى وركّاب حمير.

ولما وصلوا إلى أنطاكية [٣٥٨] تبرم بهم صاحبها، وثقلت عليه وطأتهم فحسّن لهم قصد بلاد حلب، فلم يفعلوا، وطلبوا من صاحب أنطاكية قلعته لينقلوا إليها ما معهم من المال والخزائن والثقل، فأخلاها لهم طمعا في أن يفوز بما ينقلونه


(١) كذا في الأصل، وفى س (٩٩ ب): «اثنين وأربعين ألف فارس»، وفى (ابن شداد: السيرة، ص ١٠٩) و (الروضتين، ج ٢، ص ١٥٥): «إثنين وأربعين ألف مجفجف»
(٢) توجد بعد هذا اللفظ في س ال‍جملة الآتية: «وهذا المعظم بعد ما هلك منهم خلق مثلهم في طريقهم»، ولا توجد هذه الجملة في الأصل المنقول عنه هنا وهو (ابن شداد: السيرة، ص ١٠٩)
(٣) س: «بلغ ملكهم».
(٤) الأصل: «البلاد»، والتصحيح عن ابن شداد وس.

<<  <  ج: ص:  >  >>