وقد نهب بعضهم بعضا، فعاد ختلغ أبه إلى حلب في ثلاثة أيام، وعرّف الناس موته، فأدخله الرئيس فضائل بن بديع - رئيس حلب - المدينة، واستنزلوا قومان من القلعة بعد ما صح عنده وفاة صاحبه، فصانعهم على ألف دينار، وسلّم القلعة إلى ختلغ أبه، واستحلفه الحلبيون، واستوثقوا منه.
وطلع [خلتغ] إلى القلعة لست بقين من جمادى الآخرة سنة إحدى وعشرين وخمس مائة، فبقى أياما يظهر منه شر عظيم وفسق كبير، فتشوشت قلوب الرعايا منه، وحمله قوم على الطمع، فصار يختم على تركة من يموت، ويرفعها إليه، ولا يكشف: هل له ورثة أم لا؟ فاشتدت نفرة الناس منه وعرف الرئيس فضائل والأمير بدر الدولة سليمان بن عبد الجبار بن أرتق - الذى كان قبل ذلك صاحب حلب - أنه قد عزم على قبضهما، فتحالفا: واتفقا، واتفق معهما أحداث حلب، فثاروا ليلة الثلثاء ثانى شوال من هذه السنة، وكان ختلغ أبه وحجابه وخواصه في قلة، وكلهم يشربون في البلد عند أصحابهم، لأنه عشية يوم العيد، ففبض عليهم الحلبيون، وملأوا منهم الحبوس والمساجد ودار ابن الاقريطشى، وقيدوهم، وزحف الناس إلى باب القلعة، وحاصروها، فقاتلوهم النهار أجمع، ولما كان الليل نزل وأحرق القصر، فتلفت سقوفه وأبوابه، وذهبه وأخشابه ورخامه.
وهجم الناس [٢٢] صبيحة تلك الليلة، وأخذوا منه ما قدروا عليه، وقتل خلق كثير من الناس، ووصل الأميران حسن وحسّان - ابنا البعلبكى صاحبا منبج - من بزاعة (١) سابع شوال، فساماه الخروج، فأبى، ثم وصل الجوسلين - ملك الفرنج - في مائتى فارس إلى بانقوسا، ونفذ رسوله يصانعوه فدفعوه.
(١) في (ابن الأثير، ج ١٠، ص ٢٧٦): «فوصل إلى حلب حسان صاحب منبج وحسن صاحب بزاعة».