وكان - رحمه الله - حسن العقيدة تام الإيمان، يتلقى الأمور الشرعية بأكمل انقياد وقبول، فلما كان وقت الجمعة صليت إلى جانبه في الأقصى، وصلى ركعتين، ورأيته ساجدا ودموعه تتقاطر على مصلاه - رحمه الله - ثم انقضت الجمعة بخير، ولما كان عشيتها ونحن في خدمته على العادة، فوصلت رقعة من عز الدين جرديك - وكان في اليزك - يقول فيها:
" إن القوم ركبوا بأسرهم ووقفوا على ظهر في البر، ثم عادوا إلى خيامهم وقد سيرنا جواسيس تكشف أخبارهم ".
ولما كان صبيحة السبت - وهو الحادى والعشرون من جمادى الآخرة - وصلت رقعة أخرى تخبر أن الجواسيس رجعوا فأخبروا أن القوم اختلفوا في الصعود إلى القدس أو الرحيل [٤٠١] إلى بلادهم، فذهب الفرنسيسية إلى الصعود إلى القدس وقالوا:
" إنما جئنا من بلادنا بسبب القدس، ولا نرجع دونه ".
وقال الانكلتير:
" إن هذا الموضع قد أفسدت مياهه ولم يبق حوله ماء أصلا، فمن أين نشرب؟ "
فقالوا له:
" نشرب من ماء نقوع "(١) - وبينه وبين القدس مقدار فرسخ -
فقال:
" كيف نذهب إلى السقى؟ "
(١) الأصل: " يقوع "، وما هنا عن: (ابن شداد: السيرة اليوسفية، ٢١٤)، و (الروضتين، ج ٢، ص ١٩٩) ولم أجد لهذا النهر ذكرا عند ياقوت، وإنما أشار إلى قرية اسمها " نقوع " وقال إنها من قرى بيت المقدس، يضرب بجودة عسلها المثل.