للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالعصيان، وكانوا استقلوا المراكب التي جاءتهم، وظنوا أن لا نجدة لهم فيها، ولم يعلموا أن الانكلتير مع القوم، ورأوهم قد تأخروا عن النزول إلى أن تعالى النهار، فخافوا أن يمتنعوا فيؤخذوا ويقتلوا، فخرج من خرج.

ثم بعد ذلك قويت النجدة حتى صاروا خمسة وثلاثين مركبا، فقويت نفوس الباقين في الحصن، وظهرت منهم أمارات العصيان ودلائله، فقلت لأصحابنا: خذوا حذركم، فقد تغيرت عزائم القوم، فما كان إلا ساعة بحيث صرنا خارج البلد، وإذا القوم قد حملوا من القلعة، وأخرجوا من كان في البلد من الأجناد، وازدحم الناس في الباب حتى كاد يتلف منهم جماعة، وبقى في بعض الكنائس جماعة من رعاع العسكر مثتغلين بما لا يجوز، فهجموا عليهم، وقتلوا وأسروا، وأمر السلطان الناس بالزحف، فزحفوا، وعاد الحصار كما كان، واضطرب العدو في القلعة واستبطئوا نزول النجدة إليهم، وخافوا خوفا عظيما، فأرسلوا بطريقهم والقسطلان (١) يعتذران مما جرى، ويسألان السلطان القاعدة الأولى.

وكان سبب امتناع نزول النجدة أنهم رأوا البلد مشحونا ببيارق (٢) المسلمين ورجالهم، فخافوا أن تكون القلعة قد أخذت، وكان البحر يمنع من سماع الصوت، وانضاف إلى ذلك كثرة الضجيج والتكبير والتهليل، فلما رأى من في القلعة شدة الزحف عليهم، وامتناع النجدة من النزول إليهم مع كثرتها، فإنها كانت قد بلغت نيفا وخمسين مركبا فيها خمسة عشر شانيا (٣)، [علموا أن] (٤) النجدة ظنوا أن القلعة قد أخذت، فوهب رجل من أهل


(١) معرب اللفظ اللاتينى (Castellanus) ومعناه مستحفظ القلعة، ويقابله في الفرنسية. (Chatelain) أنظر تعليقات الدكتور محمد مصطفى زيادة (المقريزى: السلوك، ج ١، ص ٥٢٤، هامش ٣).
(٢) البيرق معرب اللفظ الفارسى " بيراق "، ومعناها الراية والعلم واللواء راجع: (القس طوبيا العنيسى الحلبى: تفسير الألفاظ الدخيلة في اللغة العربية مع ذكر أصلها، القاهرة ١٩٣٢، ص ١٥).
(٣) راجع ما فات هنا، ص ١٣، هامش ١.
(٤) ما بين الحاصرتين زيادة عن (ابن شداد، ص ٢٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>