عشر يوما، وصحبته أخوه الملك العادل، وأبعد في البرية، ثم عاد إلى دمشق وودّعه الملك العادل وداعا لالقاء بعده؛ فمضى إلى الكرك وأقام به إلى أن بلغته وفاة السلطان - رحمه الله -.
قال القاضى بهاء الدين ابن شداد:
وخرجت من القدس يوم الجمعة الثالث والعشرين من المحرم؛ وكان وصولى إلى دمشق ثانى عشر صفر؛ وكان الملك الأفضل حاضرا في الإيوان الشمالى، وفى خدمته خلق من الأمراء وأرباب المناصب ينتظرون جلوس السلطان؛ فلما شعر السلطان بحضورى استحضرنى وهو وحده قبل أن يدخل إليه أحد؛ فدخلت عليه - رحمه الله - فقام ولقينى ملقى ما رأيت أشدّ من بشره فيه؛ ولقد ضمنى إليه ودمعت عيناه.
وفى ثالث عشر صفر طلبنى فحضرت، فسألنى عن من هو في الإيوان، فأخبرته أن الملك الأفضل جالس في الخدمة، والأمراء والناس في خدمته، فاعتذر إليهم على لسان جمال الدولة إقبال.
ثم استحضرنى يوم الخميس رابع عشر صفر، وهو في صفّة (١) البستان وعنده أولاده الصغار، فسأل عن الحاضرين فقيل: رسول الفرنج وجماعة من الأمراء الأكابر، فاستحضر الفرنج إلى ذلك المكان فحضروا، وكان له ولد صغير يسمى أبا بكر، وكان كثير الميل إليه، وكان حاضرا وهو - رحمه الله - يداعبه، فلما وقع بصره على الفرنج ورأى أشكالهم [٤١٧] خاف منهم وبكى، فاعتذر السلطان إلى الفرنج وصرفهم بعد أن حضروا، ولم يسمع كلامهم، وقال لى:
" أكلت اليوم شيئا؟ "، وكانت عادته - رحمه الله - هذه المباسطة، ثم قال:
" أحضروا لنا ما تيسّر "، فأحضروا أرزا بلبن، وما أشبهه من الأطعمة الخفيفة،
(١) لشرح هذا اللفظ راجع: (مفرج الكروب، ج ١، ص ٢٦٢، هامش ٤).