فأكل - رحمه الله - وكنت أظن بأنه ليس عنده شهوة؛ وكان في هذه الأيام يعتذر للناس بثقل الحركة عليه، وكان بدنه ممتلئا وعنده تكسل، فلما فرغنا من الطعام قال:
ما الذى عندك من خبر الحاج؟
فقلت:
" اجتمعت بجماعة منهم في الطريق، ولولا كثرة الوحل لدخلوا اليوم ".
فقال:
" نخرج إن شاء الله إلى لقائهم ".
وأمر بتنظيف طريقهم من المياه، فإنها كانت سنة كثيرة الأنداء؛ وقد سالت المياه في الطرق كالأنهار.
وانفصلت من خدمته ولم أجد عنده من النشاط ما كنت أعرفه منه.
ثم بكّر في يوم الجمعة خامس عشر صفر فركب؛ ثم لحقته وقد لقى الحاج، ولم أجد عليه كزاغندا (١) وما كان له عادة أن يركب بدونه، وكان يوما عظيما قد اجتمع فيه للقاء الحاج والتفرج على السلطان معظم من في البلد، فأذكرته ذلك فكأنه استيقظ، فطلب الكزاغند فلم توجد، فأوقع الله في قلبى تطيرا بذلك، ولما لقى السلطان الحاج استعبرت عيناه كيف فاته الحاج، وسألهم عن أحوال مكة وأميرها، وحال الخصب بها، وكم وصلهم من غلات مصر وصدقاتها، والفقراء المجاورين له ورواتبهم وإدراراتهم، وسرّ بسلامة الحاج.