لقد دخلت بين يديه في يوم ريح مطير إلى القدس، وكان إذ ذاك كثير الوحل، فنضحت البغلة عليه من الطين حتى أهلكت جميع ما كان عليه، وهو يبتسم، وأردت التأخر عنه لذلك، فما تركنى.
ولقد واجهه الجناح بما واجهه به لما امتنع العسكر [٤٣٠] عن الأنكلتير، وقد تقدم ذكر ذلك في موضعه، وظن الناس أنه ربما يصلب أو يقتل، وفى ذلك اليوم نزل ببازور وقد وصله من دمشق فاكهة كثيرة، فطلب الأمراء ليأكلوا، فحضروا، فرأوا من بشره وانبساطه ما أحدث لهم الأمن والطمأنينة والسرور.
قال:
ولقد قلبت في خزائنه كيسان من الذهب المصرى وكيسان (١) من الفلوس، فما عمل بالنواب شيئا سوى أنه صرفهم عن العمل.
قال:
لقد كان حافظا لأنساب العرب، [و] خيلهم، عالما بعجائب الدنيا ونوادرها بحيث كان يستفيد محاضره منه ما لا يسمعه من غيره.
قال:
وكان يسأل الواحد منا عن مرضه ومداواته، ومطعمه ومشربه، وتقلبات أحواله.
وكان طاهر المجلس لا يذكر بين يديه أحدا إلا بالخير، وطاهر السمع فلا يحب أن يسمع عن أحد إلا الخير، وطاهر اللسان، فما رأيته أولع بشتم قط، وطاهر القلم فما كتب بقلمه أذى لمسلم قط.