للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استشرفتك الصدور، وتطلعت إليك عيون الجمهور، واستوجبت عقيلة النعم بما قدمت من المهور، ونصرت الإيمان بأهله، وأظهرت الدين بمظاهرتك على الدين كلّه، وناهضت الكفرة بالباع الأشد، والرأى الأسد، ونادتهم سيوفك - ولا قرار على زأر من الأسد - وأدال الله بك ممن قدم على ما قدّم، وندم فما أغنى عنه الندم، حين لجّ في جهالته، وتمادى في ضلالته، واستمر على استطالته، وتوالت منه عثرات ما أتبعها باستقالته، فكم اجتاح للدولة رجالا، وضيّق من أرزاقهم مجالا، وسلب من خزائنها ذخائر وأسلحة وأموالا، ونقلها من أيدى أوليائها إلى أعداء الله تبارك وتعالى، واتسعت هفواته من التعديد [٨٦] وما العهد منها ببعيد.

وقد نسخ الله تعالى بك حوادثها فوجب أن تنسخ أحاديثها، وأتى الأئمة منك بمن هو وليّها، والأمة بمن هو مغيثها، ودعاك إمام عصرك بقلبه ولسانه وخطه - على بعد الدار -، وتحقق أنك تتصرف معه حيث تصرّف وتدور معه حيت دار، واختارك على ثقة من أنّ الله تعالى يحمده فيك عواقب الاختيار، ورأى لك إقدامك ورقاب الشرك صاغرة، وقدومك وأفواه المخاوف فاغرة، وكرّتك في طاعته وأبى الله تعالى أن تكون خاسره، وسطابك حين تمالى بك المشركون، وتمثّل لرسلهم بقوله سبحانه: {" اِخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ "} (١) وأنفت عزته هجنة الهدنة، وقال لأوليائه: {" وَقاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ "} (٢) وازدرى بخنازيرهم انتظارا لوصولك بأسود الإسلام، وصبر على علم أنّك تلبى نداءه بألسنة الأعلام قبل ألسنة الأقلام، فكنت حيث رجا وأفضل، ووجدت بحيث رعى وأعجل، وقدمت فكتب الله لك العلو، وكبت بك العدوّ، وجمع على التوفيق لك طرفى الرواح والغدوّ، ولم يلبس الكافر لسهامك جنّة إلا الفرار وكان {" كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اُجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ "} (٣)


(١) السورة ٢٣ (المؤمنون)، الآية ١٠٨ (ك).
(٢) السورة ٨ الأنفال (، الآية ٣٩ (ك).
(٣) السورة ١٤ (ابراهيم) الآية ٢٦ (ك).

<<  <  ج: ص:  >  >>