على العظائم والفظائع، ويزينون لهم الإقدام والقدوم، ويخلعون فيها ربقة الإسلام خلع المرتد المخصوم، ويد الفرنج بحمد الله (٢٢١) قصيرة عن إجابتهم، إلا أنهم لا يقطعون حبل طمعهم على عادتهم، وكان ملك الفرنج كلما سولت له نفسه الاستتار في مراسلتهم، والتحيل في مفاوضتهم، سيّر " جرج " - كاتبه - رسولا إلينا ظاهرا، وإليهم باطنا، عارضا علينا الجميل الذى ما قبلته قط أنفسنا، وعاقدا معهم القبيح الذى يشتمل عليه في وقته علمنا، ولأهل القصر والمصريين في أثناء هذه المدد رسل تتردد، وكتب إلى الفرنج تتجدد.
ثم قال:
والمولى عالم أن عادة أوليائه المستفادة من أدبه أن لا يبسطوا عقابا مؤلما، ولا يعذبوا عذابا محكما، واذا طال لهم الاعتقال، ولم ينجع السؤال، أطلق سراحهم، وخلى سبيلهم، فلا يزيدهم العفو إلا ضراوة، ولا الرقة عليهم إلا قساوة، وعند وصول " جرج " في هذه الدفعة الأخيرة رسولا إلينا بزعمه، ورد إلينا كتاب ممن لا نرتاب به من قومه، يذكرون أنه رسول مخاتلة، لا رسول مجاملة، وحامل بليّة لا حامل هديّة، فأوهمناه الإغفال عن التيقظ لكل ما يصدر منه وإليه، فتوصل مرة بالخروج ليلا، ومرة بالركوب إلى الكنيسة وغيرها نهارا إلى الاجتماع بحاشية القصر وخدامه، وبأمراء المصريين وأسبابهم، وجماعة من النصارى واليهود وكلابهم وكتابهم، فدسسنا إليهم من طائفتهم من داخلهم، فصار ينقل إلينا أخبارهم، ويرفع إلينا أحوالهم، ولما تكاثرت الأقوال، وكاد يشتهر علمنا بهذه الأحوال، استخرنا الله تعالى، وقبضنا على جماعة مفسدة، وطائفة من هذا الجنس متمردة، قد اشتملت على الاعتقادات المارقة، والسرائر المنافتة، فكلا أخذ الله بذنبه، فمنهم من أقرّ طائعا عند إحضاره، ومنهم من أقرّ بعد ضربه، فانكشفت أمور أخرى كانت مكتومة، ونوب غير التي كانت عندنا معلومة، وتقريرات مختلفة في المراد، متفقة في الفساد ".